للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضمان في المضاربة، ضمان المضارب

عقد المضاربة من عقود الأمانات، ورأس المال أمانة في يد المضارب

قال الكاساني: (المال في يد المضارب بمنزلة الوديعة، لأنه قبضه بإذن رب المال لا على وجه البدل والوثيقة) (١) .

وعليه، فلا يضمن المضارب ما يحصل من خسارة في رأس المال المضاربة إلا بالتعدي أو التقصير أو مخالفة شروط المضاربة، وإنما كان تحمل المضارب ضمان رأس المال ممنوعًا شرعًا، لأنه يخالف مقتضى عقد المضاربة الذي هو عقد على المشاركة في الربح، فإذا لم يحصل ربح ووقعت خسارة فإنها تربط بالمال، تطبيقًا للقاعدة العامة في المشاركات بأن الخسارة بقدر الحصص في رأس المال، وإذا كان المضارب لا حصة له فيه فإن خسارته تنحصر في ضياع جهده.

فإذا شرط على المضارب ضمان ما يقع من خسارة أو تلف في رأس المال فالشرط باطل، وأما العقد فهو صحيح عند الحنفية والحنابلة، وفاسد عند المالكية والشافعية، وفيه عند المالكية قراض المثل، وليس الربح المسمى في عقد القراض (٢) .

ولا مانع من اشتراط الضمان في حالات التعدي أو التقصير أو مخالفة الشروط. قال الصاوي من المالكية: (إن دفع رب المال للعامل المال واشترط عليه أن يأتيه بضامن يضمنه فيما يتعلق بتعديه فلا يفسد بذلك، لأن هذا الشرط جائز، وأما إن شرط عليه أن يأتيه بضامن يضمنه مطلقًا تعدى في التلف أم لا فسد القراض ولو كان الضامن بالوجه، ولا يلزم، كما أفتى به الأجهوري) (٣) .

إن وصف المضاربة بأنها مشتركة أو مستمرة لا يقتضي جواز اشتراط الضمان حسبما ذهب بعض الباحثين متذرعًا بالضمان في الإجازة المشتركة، لأن هذا الوصف لا يغير من جوهر المضاربة بأنها من المشاركات، واشتراط الضمان فيها يجعلها تعاملًا ربويًا بضمان المال والحصول على ربح المشاركة، أما الإجارة فهي من المعاوضات ويصح الضمان فيها إذا كانت مشتركة، للإجماع على تضمين الصناع، أما المضاربة فالإجماع على منع الضمان فيها.


(١) بدائع الصنائع: ٦/ ٨٧.
(٢) البدائع: ٦/ ٨٧؛ القوانين الفقهية، ص ٢٨٠، المجموع: ٥/ ١٥٢؛ المغني: ٥/ ١٥٢.
(٣) بداية المجتهد، لابن رشد: ٢/ ٢٤٣؛ والشرح الصغير، للدردير: ٣/ ٦٨٧ ـ ٦٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>