للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويتضح من ذلك أن رأي الجمهور بالنسبة لعقد المضاربة يقضي بضرورة الفصل بين الأموال التي تلقاها المضارب، وقام بتشغيلها بالفعل، عن أي أموال أخرى جديدة قد ترد إليه بعد ذلك على سبيل المضاربة أيضًا وعدم خلط بعضها ببعض، والعلة في الحكم هي الضرر الناتج عن الغبن الذي يمكن أن يلحق بواحد من أصحاب تلك الأموال (١) .

وأما عن كيفية وقوع الغبن على بعض العملاء من خلال عقد المضاربة، فإنه ما من شك أن تشغيل الأموال سوف يترتب عليه حدوث تغييرات على الأصول التي يمتكلها البنك خلال فترة التشغيل سواء بالزيادة أو النقص. وتصفية تلك الأصول في نهاية المدة المتفق عليها هو الذي يظهر المركز المالي الحقيقي لتلك المضاربة من ربح أو خسارة عند استخراج الفرق بين رأس المال النقدي وبين قيمة التصفية، فلو كانت النتيجة هي زيادة عن رأس المال النقدي كانت ربحًا ولو كانت أقل كانت خسارة.

وبالتالي فإن السماح بالتدفق المستمر للودائع وخلط بعضها ببعض بعد بدء المضاربة قد يؤدي إلى اشتراك الأموال الجديدة في نتائج تشغيل أموال سابقة سواء كانت ربحًا أو خسارة، وهذا الاشتراك فيه غبن لبعض أرباب الأموال سواء كانوا من المودعين القدامى أو من المودعين الجدد. وعلى سبيل المثال: إذا دخل عميلان (زيد وعمرو) إلى بنك في يوم واحد، ففتح أحدهما (زيد) حسابًا أودع به مائة ألف، بينما سحب الآخر (عمرو) في نفس اللحظة من حسابه المفتوح أصلًا لدى البنك مائة ألف أخرى مضافًا إليها أرباح استحقت على هذا المبلغ مقابل بقائه لدى البنك لفترة معينة، ثم أعلنت السلطات النقدية فجأة في اليوم التالي إفلاس البنك ووقف التعامل معه نتيجة تحقيقه لخسائر ضخمة لم يسبق الإعلان عنها من قبل. فإن النتيجة المترتبة على ذلك هي:

أ - حصول العميل الساحب لأرصدته على أموال لا يستحقها، وكان من المفروض اشتراكه مع سائر المودعين الآخرين (القدامى) في تحمل الخسائر المحققة.

ب - ضياع المبلغ الذي أودعه العميل الأول نتيجة دخوله ضمن قسمة الغرماء.


(١) الشيخ مصطفى أحمد الزرقا، المدخل الفقهي العام، الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد ١/ ٣٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>