للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجاء في الروضة للإمام النووي: (فلو دفع إليه ألفًا قراضًا، ثم ألفًا، وقال: ضمه إلى الأول، فإن لم يكن تصرف بعد في الأول جاز، وكأنه دفعهما إليه معًا، وإن كان تصرف في الأول، لم يجز القراض في الثاني ولا الخلط، لأن الأول استقر حكمه بالتصرف ربحًا وخسرانًا، وربح كل مال وخسرانه يختص به) (١) .

وورد في المغني لابن قدامة الحنبلي: (إذا دفع إليه ألفًا مضاربة، ثم دفع إليه ألفًا آخر مضاربة، وأذن له في ضم أحدهما إلى الآخر قبل التصرف في الأول جاز، وصار مضاربة واحدة، كما لو دفعهما إليه مرة واحدة، وإن كان بعد التصرف في الأول في شراء المتاع، لم يجز؛ لأن حكم الأول استقر، فكان ربحه وخسرانه مختصًا به، فضم الثاني إليه يوجب جبران خسران أحدهما بربح الآخر، فإذا شرط ذلك في الثاني فسد، فإن نض الأول جاز ضم الثاني إليه) (٢) .

وللحنفية رأي آخر أكثر تفصيلًا، يعتمد على قول صاحب رأس المال للمضارب: اعمل برأيك قبل خلطه للمال. أما إذا لم يقل ذلك للمضارب، وخلط الأخير المال بمال الغير بعد بداية النشاط، وتحقيق الربح فإنه يضمن ذلك المال. يقول الفقيه الحنفي ابن عابدين في شرح ما يمتنع على المضارب فعله: (ومنه الخلط بمال نفسه، وكذا بمال غيره كما في البحر؛ وهذا إذا لم يغلب التعارف بين التجار في مثله، كما في التاترخانية، وفيها من الثامن عشر: دفع إلى رجل ألفًا بالنصف ثم ألفًا أخرى كذلك، فخلط المضارب المالين، فهو على ثلاثة أوجه:

إما أن يقول المالك في كل من المضاربتين: اعمل برأيك، أو لم يقل فيهما أو قال في إحداهما فقط، وعلى كل فإما أن يكون قبل الربح في المالين أو بعده فيهما، أو في أحدهما. ففي الوجه الأول: لا يضمن مطلقًا، وفي الثاني: إن خلط قبل الربح فيهما فلا ضمان أيضًا، وإن بعده فيهما ضمن المالين وحصة رب المال من الربح قبل الخلط، وإن بعد الربح في أحدهما فقط ضمن الذي لا ربح فيه (٣) .

هذا؛ ويجب في جميع الأحوال التفرقة بين هذا الحكم وبين حكم خلط المضارب لأموال المضاربة قبل البدء في عملية المضاربة، فهو مختلف عليه بين الفقهاء؛ منهم من يرى عدم جوازه، ومنهم من يجوزه بشروط معينة (٤) .


(١) الإمام النووي، روضة الطالبين وعمدة المفتين: ٥/ ١٤٨.
(٢) ابن قدامة المقدسي، المغني، مكتبة القاهرة: ٥/ ٤٤.
(٣) ابن عابدين: حاشية رد المحتار على الدر المختار: ٥/ ٦٤٩.
(٤) انظر على سبيل المثال: الإمام النووي، المرجع السابق نفسه، وابن قدامة المقدسي: ٥/ ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>