للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالباحث يرى أن هذا القول لا يستند إلى أي مبررات تؤيده، بل على العكس من ذلك، فإن المبررات التي يرتكز عليها تعتبر حججًا ضده وتستلزم دحضه وبيان ذلك كالآتي:

أ - إن الفقهاء لم يقصروا كلامهم على حالة الشركة الثنائية فقط، وإنما امتد ذلك في بعض الأحوال ليشمل أعدادا أخرى، من الشركاء سواء كانوا محصورين أو غير محصورين، فعلى سبيل المثال يقول ابن قدامة في تعريفه لشركة الأبدان: (وشركة الأبدان جائزة، ومعنى شركة الأبدان أن يشترك اثنان أو أكثر فيما يكتسبونه بأيديهم، كالصناع يعملون في صناعتهم فما رزقهم الله تعالى فهو بينهم. . .) (١) . وفي موضع آخر يقول: (فإن اشترك ثلاثة: من أحدهم دابة، ومن آخر راوة ومن الثالث العمل، على أن ما رزق الله تعالى فهو بينهم، صح في قياس قول أحمد) (٢) . ورغم هذا التعدد الذي أشار إليه ابن قدامة، فإن فقهاء الحنابلة لم يغيروا من إجماعهم على حرمة خلط أموال جديدة بأموال الشركة، بجميع أنواعها بعد البدء في النشاط (٣) . مما يدل على أن ما تختص به الشركات الثنائية من أحكام عندهم ينطبق أيضًا على الشركات في حالة تعدد الشركاء المكونين لكل منها، وبأن الإشارة إلى الشركات الثنائية عند الفقهاء هو على سبيل ضرب المثال، لشرح مفهوم الشركة، وليس على سبيل الحصر.

ب - إنه حتى بافتراض أن كلام الفقهاء في جميع أحواله كان قاصرًا على حالة المضاربة (أو الشركة) الثنائية فقط، فإن الأخذ بمفهوم قياس الأولى يحتم علينا تطبيق الحكم الخاص بالشركة الثنائية (فيما يختص بعدم جواز خلط أموال الشريكين) على الشركات التي يزيد عدد الشركاء فيها عن اثنين، لأنه إذا كانت علة النهي عن خلط الأموال في حالة الشركة الثنائية هي الضرر أو الظلم الذي قد يقع على واحد منهما، فإن الزيادة التدريجية لعدد الشركاء بالشركة تؤدي بلا شك إلى تفاقم احتمال الغبن أو الظلم الواقع على أي واحد منهم جميعًا.


(١) انظر: ابن قدامة، المغني: ٥/ ٤.
(٢) انظر: ابن قدامة، المغني: ٥/ ١٠.
(٣) انظر ابن قدامة، المغني: ٥/ ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>