للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشتراط توقيت عقد المضاربة:

اختلف الفقهاء فيما بينهم بشأن صحة توقيت عقد المضاربة، فذهب كل من الشافعية والمالكية إلى عدم جواز التوقيت إلى أجل محدد أو إلى مدة معلومة لا يفسخها قبلها، لأنه بذلك يكون منافيًا لمقصود عقد المضاربة وهو الاستدامة لتحقيق الربح، بالإضافة إلى أن المضاربة من العقود الجائزة كعقد الوكالة وهو متضمن لمعناها، يقول النووي في الروضة، في الشرط الثالث من شروط العمل في المضاربة: ألا يضيق بالتوقيت، ولا يعتبر في القراض بيان المدة، بخلاف المساقاة، لأن مقصودها وهو الثمرة ينضبط بالمدة، فلو وقت فقال: قارضتك سنة، فإن منعه من التصرف بعدها مطلقًا أو من البيع، فسد لأنه يخل بالمقصود. ولو قال: قارضتك سنة على ألا أملك الفسخ قبل انقضائها، فسد. ويقول القاضي عبد الوهاب من المالكية: لا يجوز التوقيت في القراض بأن يقارضه إلى مدة معلومة لا يفسخها قبلها، ولا على أنه إذا انقضت المدة انفسخ العقد، فلم يجز أن يبيع ما اشتراه من المتاع ولا أن يستأنف شراء غيره، ومتى وقع العقد على ذلك كان فاسدًا. . . ودليلنا أن القراض من العقود الجائزة، لأنه كالوكالة وهو متضمن لمعناها (١) .

أما الحنفية والحنابلة فقد ذهبوا إلى جواز توقيت عقد المضاربة، يقول الإمام ابن قدامة: (ولنا أنه تصرف يتوقت بنوع من المتاع، فجاز توقيته في الزمان، كالوكالة) (٢) . ويقول الإمام الكاساني: (ولنا أن المضاربة توكيل، والتوكيل يحتمل التخصيص بوقت دون وقت) (٣) .

ونرى أن الأخذ برأي الحنابلة والحنفية فيما يتعلق بجواز التوقيت أرجح، لأن من أهم العلل التي يستند إليها الشافعية والمالكية في المنع هو الضرر الذي قد ينتج عن حجب فرصة لتحقيق ربح قد يرى العامل إمكان تحققه بعد المنع من التصرف. ولكن توقيت المضاربة بتاريخ معين لا يمنع من تنضيض المال لمصلحة الطرفين باتفاقهما عند هذا التاريخ. كما أنه من مقتضى عقد المضاربة أن لرب المال منع العامل من البيع والشراء في أي وقت، وسواء كانت المضاربة مؤقتة أم غير مؤقتة.


(١) القاضي عبد الوهاب، الإشراف على نكت مسائل الخلاف: ٢/ ٦٤٦، وانظر الشيخ محمد عليش، شرح منح الجليل، ٣/ ٦٧٠، ويؤول في قوله بأنه عقد جائز بالفترة ما قبل البدء في النشاط، وإلا فإنه عند المالكية لازم بعد البدء فيه (انظر الفقرة السابقة من البحث) .
(٢) ابن قدامة، المغني: ٥/ ٥٠
(٣) الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: ٨/ ٣٦٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>