للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الثاني

فسخ وتوقيت عقد المضاربة والتخارج

والاسترداد وتحديد حوافز للمضارب

كما سبقت الإشارة في المبحث السابق فإن عقد فتح الحساب الاستثماري في البنوك الإسلامية يختلف في قرينه المفتوح في البنوك التقليدية من منطلق أن النوع الأول يضفي عليه صفة عقد المضاربة أما النوع الثاني فيضفي عليه صفة القرض. وبالتالي يكون من الطبيعي اختلاف الآثار المترتبة على كلا الحسابين في التعامل مع العملاء المودعين حال رغبتهم في التخارج أو الاسترداد، وهذا الأمر يتعين معه التعرف على طبيعة عقد المضاربة من حيث لزومه أو عدم لزومه، وإمكانية توقيته بمدة معينة من عدمه، وطريقة توزيع الربح بين الأطراف المتعاقدة، وسيحاول الباحث ـ بمشيئة الله ـ الرد على هذه الاستفسارات في الآتي:

عدم لزوم عقد المضاربة:

تتفق ثلاثة مذاهب على أن عقد المضاربة هو عقد من العقود غير اللازمة من بدايته حتى نهايته، وبأنه لا يورث.

فالشافعية: يرون أن عقد المضاربة إذا انفسخ ورأس المال عروض، واتفق المتعاقدان على بيعه أو قسمته جاز. يقول الإمام الرملي في بيان أن عقد القراض جائز (غير لازم) من الطرفين: لكل من المالك والعامل فسخه متى شاء ولو في غيبة الآخر (١) .

كذلك يرى الحنفية: أن عقد المضاربة غير لازم، إلا أنهم اشترطوا لصحة الفسخ علم المتعاقد به، وأن يكون رأس المال ناضًّا (أي نقودًا) وقت الفسخ.

فإذا كان رأس المال عروضًا كالعقار والمنقولات لم يصح عندهم الفسخ، يقول الإمام الكاساني: (وأما صفة هذا العقد فهو غير لازم، ولكل واحد منهما - أعني رب المال والمضارب - الفسخ، لكن عند وجود شرطه وهو علم صاحبه، ويشترط أيضًا أن يكون رأس المال عينًا وقت الفسخ دراهم أو دنانير) (٢) .

وتتفق الحنابلة مع الشافعية في أن عقد المضاربة من العقود غير اللازمة دون شرط لذلك. يقول الإمام ابن قدامة: (والمضاربة من العقود الجائزة، تنفسخ بفسخ أحدهما أيهما كان، وبموته، وجنونه، والحجر عليه لسفه، لأنه متصرف في مال غيره بإذنه، فهو كالوكيل، ولا فرق بين ما قبل التصرف، وبعده) (٣) .

أما المالكية: فلم أر خلافا عندهم بأن عقد المضاربة غير لازم في بدايته، ما لم يشرع العامل فيه. أما إذا شرع فيه أصبح العقد لازمًا حتى ينض المال، وقد أشار إلى ذلك ابن رشد بقوله: (أجمع العلماء على أن اللزوم ليس من موجبات عقد القراض، وأن لكل واحد منهما فسخه ما لم يشرع العامل في القراض، واختلفوا فيما إذا شرع العامل، فقال مالك: لازم، وهو يورث) (٤) .


(١) شهاب الدين الرملي، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: ٥/ ٢٣٨.
(٢) علاء الدين الكاساني، بدائع الصنائع: ٨/ ٣٦٥٥.
(٣) ابن قدامة المقدسي، المغني: ٥/ ٤٦.
(٤) ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد: ٢/ ٢٤٠، والإمام مالك المدونة: ٥/ ٦٨، التسولي، البهجة في شرح التحفة. ٢/ ٣٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>