للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصفوة القول، إن وضع الشروط والضوابط لا ينبغي أن ينظر إليه بوصفه شأنًا جديدًا في عالم المضاربة أو المعاملات الأخرى، وليست العبرة في وضع الشروط ـ وذلك حق لجميع أطراف المعاملات في الإسلام ـ ولكن العبرة كل العبرة في نوعية وطبيعة الشروط التي توضع، فإذا تعارضت تلك الشروط مع المبادئ الإسلامية المعتبرة، عندئذ ترد وتصادر، ولا يلتفت إليها، بغض النظر عن واضعها

وعليه، فإننا نرى أنه لا حاجة عن تهويل شأن مسألة الشروط واتخاذها ذريعة لتقرير فكرة المضاربة المشتركة، وخاصة أنه ليس ثمة فقيه قديم أو معاصر يعترض على إعطاء المضارب المشترك أو رب المال الحق في وضع الشروط والضوابط التي يراها مناسبة وضرورية لاستثمار الأموال من جهة، أو وضع الشروط والضوابط التي يعتبرها جديرة لتحقيق صيانة وحفظ لمال المضاربة من جهة أخرى.

مما يعني أنه ما كان لهذه المسألة لأن تجعل من المضاربة المشتركة شأنًا غير عادي، وخاصة أن الفقهاء من قديم الزمان أصلوا القول في هذا الشأن، وأعطوا الاستقلال كل الاستقلال لأطراف العقود المختلفة، بما فيها عقد المضاربة المطلقة وغيرها ـ في وضع ما يروق لهم من شروط وضوابط وقواعد للتعامل مع بعضهم البعض، ويعني هذا أنه لا منطق في اتخاذ مسألة الشروط حدًّا فاصلًا بين هذا الشكل (الجديد) للمضاربة والمضاربة الخاصة أو العادية، ورحم الله ابن رشد ـ وغيره من الفقهاء ـ عندما قرر هذا الأمر، فقال: (. . . الباب الثاني في مسائل الشروط. وجملة ما لا يجوز من الشروط عند الجميع هي ما أدى إلى غرر أو مجهلة زائدة، ولا خلاف بين العلماء أنه إذا اشترط أحدهما لنفسه من الربح شيئًا زائدًا غير ما انعقد عليه القراض أن ذلك لا يجوز لأنه يصير ذلك الذي انعقد عليه القراض مجهولًا. . .) (١) .

وإذ الأمر كذلك، أليس من الحري بنا الفصل بين مسألة الشروط وحقيقة المضاربة المشتركة وغير المشتركة، بل أليس حقيقًا علينا أن نستغنى عن هذا المصطلح المقترح ما دام في مصطلح المضاربة المطلقة الغنية كل الغنى في تحقيق كل ما يصبو إليه مهندسو فكرة المضاربة المشتركة؟


(١) انظر: بداية المجتهد، مرجع سابق: ٢/ ٢٣٨ باختصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>