للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبناء على هذا، فإنه يمكن الخلوص إلى القول بأن هذه المسألة كسابقتها اجتهادية، مما يجعل انتقاء رأي وترجيحه أمرًا متروكًا لاجتهادات أهل العلم في كل عصر وفي كل مصر، وإذ الأمر كذلك، فإن الاستناد إلى هذه المسألة أساسا لتثبيت فكرة المضاربة المشتركة، أمر يحتاج إلى إعادة النظر، بل إن الربط بين المضاربة الخاصة وأحد هذين الرأيين تعسف علمي غير مبارك، ذلك لأن المضاربة الخاصة كما تتسع للرأي القائل بعدم الجواز، فإنها تتسع أيضًا للرأي القائل بالجواز. . وعليه، فلا وجه للجوء إلى المضاربة الموسومة بالمضاربة المشتركة تذرعًا بهذه المسألة المختلف فيها.

وأيا ما كان الأمر، فإننا ننتهي إلى تقرير القول بأن مسألة الشروط لا تعتبر ميزة للمضاربة المشتركة مقابل المضاربة الخاصة، لأن تلك الشروط ـ كما أسلفنا ـ مسائل خارجة عن حقيقة المضاربة وجوهرها، ويمكن لها أن ترتبط بالمشتركة، كما يمكن لها أن ترتبط بالخاصة في آن واحد، ولهذا، فقد كان حريًا بمهندسي فكرة المضاربة المشتركة البحث عن أسس منطقية أخرى، والاستناد عليها لتثبيت فكرتهم، بدلًا من اللياذ بمسألة الشروط لتحقيق ذلك.

وعلى العموم، إننا لسنا نرى من مانع شرعي في مراجعة جملة حسنة من الشروط التي نسجها الفقهاء السابقون مستندين إلى الواقع الأخلاقي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي الذي كان سائدًا في زمانهم، كما أن الحاجة اليوم تمس إلى اجتهادات انتقائية ترجيحية تعتد بالآراء الفقهية التي تتناسب مع واقعنا المعاصر ما لم يكن في ذلك مصادرة لمعنى نص شرعي صريح صحيح قطعي واضح، وما لم يكن ذلك مؤديًا إلى مخالفة لقاعدة شرعية معتبرة متفق عليها وفضلًا عن هذا، فإنه من الممكن اليوم التفكير في توليد شروط جديدة اعتمادا على اجتهاد مقاصدي يعلي من شأن المقاصد الشرعية، ويعتد بمآلات الوقوع الفعلي للأفعال، وبهذين المنهجين، لا يبقى ثمة إشكال في التعامل مع مختلف المسائل والشروط والآراء التي ورثناها عن أئمتنا ـ رحمهم الله ـ إزاء المسائل المتعلقة بالمضاربة وبغيرها من عقود المعاملات.

<<  <  ج: ص:  >  >>