للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدكتور إبراهيم الغويل:

إن كل هذه القضايا المتصلة بالعمليات المصرفية إنما هي جزء نعرفه نحن في تاريخ الاقتصاد وفي تاريخ النقود بأنه نشأ عن القول بالوظيفة الثالثة للنقدين، فالأصل في النقود أنها أداة تقييم أو قياس قيمة وأنها أداة تبادل. حينما قيل: إنها مخزن أو كنز أو مكان لكنز القيمة ظهرت الوظائف المعروفة المترتبة عليها عملية خلق النقود أو الائتمان وأن ليس كل الناس يطلبون نقودهم في نفس الوقت، وبالتالي من الممكن ضخ هذه الأموال من جديد، وقد ترتب على ذلك ظهور البنوك، وترتب على كل ذلك كل هذه العمليات.

الوظيفة الثالثة للنقدين هي التي حاربها الإسلام بمنعه الربا وبفرضه الزكاة.

إذًا أنا مع اتجاهي لتأكيد الكلام الذي قاله الشيخ عبد اللطيف الجناحي، بأننا لا بأس أن ندعم وما قاله الشيخ فريد واصل، أن ندعم هذه المسيرة وهذا التوجه الإسلامي، لكنني لا زلت أذكر نفسي، وإخوتي بأننا علينا أن نبحث عن نظام بديل ينطلق من الرؤية الإسلامية، وليس بتبرير ما أخذت به الأنظمة الأخرى التي نقطة البدء ما بيننا وبينها منقطعة.

ليست هناك وظيفة ثالثة للنقدين في الإسلام ويترتب على ذلك عدم ابتزاز النقود. الصورة المذهلة التي وصلت لها البشرية اليوم أن المقياس أصبح مهتزًا. اليوم تسمعون أن النقدين بقيمة كذا اليوم، وبقيمة كذا غدًا، وبقيمة كذا بعد غد. هل تصورتم لو سمعتم أن مقياس الطول بالمتر أصبح اليوم (١٢٠ سم) ثم غدًا (٩٠ سم) ؟ وأن الميزان أصبح (١٠٥٠ غرامًا) اليوم وغدًا (٩٥٠ غرامًا) ؟ هل يقبل ذلك؟ النقدان اهتزا لفقدانهما للأساس وللاعتراف الرأسمالي بالوظيفة الثالثة للنقدين، وبنظرية خلق النقود عن طريق الائتمان التي ترتبت عليها البنوك، ولك ما ترتب عليها من عمليات.

الذي أدعو إليه، رغم دعمي لكل هذه المسيرة التي تحاول أن تؤسلم المصارف، ولكنني أقول لكم: إن المصارف والبنوك ليست إسلامية. هي مترتبة على عملية الائتمان والوظيفة الثالثة للنقود. وللنقدين وظيفتان، وليس لهما وظيفة ثالثة، وليست هناك عملية ائتمان وخلق للنقود.

إذا في الإسلام هناك نظام بديل يقوم على منع الربا وفرض الزكاة، وأن اختزان الأموال يؤدي إلى تآكلها مع الزمن، ولكنها يجب أن تتفق بطريقة محددة إسلامية.

الذي أراه وما نسير فيه نحن نؤسلم كثيرًا من العقود والأنظمة التي ابتكرتها المصارف التي قامت على نظرية الائتمان والتي قامت على الوظيفة الثالثة. لا مانع من ذلك على أساس أنها المعالجة الوقتية وأنها تحت الضرورات أو الحاجة التي تلزم بذلك، ولكن لا بد أن نفكر باستمرار ونذكر أنفسنا أنه علينا أن ندرس إمكانية النظام البديل الذي قوم على التصور الذي أسسه القرآن والذي لا بد أن يقدم للبشرية، لأنه هو وسيلة الإنقاذ الوحيدة، لأن هذا النظام الذي يسير بالطريقة المصرفية وبالائتمان وبالوظيفة الثالثة ستختنق به البشرية اليوم أو غدًا، سواء امتد الزمن أو قصر، ولا بد من إنقاذها بالنظام الإسلامي الذي يعتمد على أن العمل هو الأساس وأن العمل الصالح له جزاء، وعلى {فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: ٢٧٩] ، وعلى الزكاة والإنفاق.

هذا ما دعوت له دومًا وأذكر به نفسي وإخوتي.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

<<  <  ج: ص:  >  >>