للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جـ-الصورة الثالثة: التزام المستشفى بتقديم الدواء بجانب العلاج والعمليات الجراحية، مقابل ما تدفعه المؤسسة:

١٧-وفي هذه الصورة نجد أن بعض الفقه الإسلامي قد ورد به ما يمنع أن يلتزم الطبيب بتقديم الدواء للعليل.

فقد جاء في الذخيرة: (قال ابن يونس: قال سحنون: أصل إجارة الطبيب الجعالة، فلذلك لا يضرب أجلًا قبل، ويكون الدواء من عند العليل كاللبن والجص في بناء الدار، وإلا فهو غرر، إن لم يذهب داؤه باطل ويدخله بيع وجعل) (١) .

ويقول ابن حزم في موضوع مماثل: (ولا يجوز أن يشترط على المستأجر للخياطة إحضار الخيوط، ولا على الوراق القيام بالحبر، ولا على البناء القيام بالطين أو الصخر أو الجيار، لأنه إجارة وبيع معًا، قد اشترط أحدهما مع الآخر، فحرم ذلك من وجهين؛ أحدهما أنه شرط ليس في كتاب الله تعالى، فهو باطل، والثاني أنه بيع مجهول وإجارة مجهولة، لا يدري ما يقع من ذلك للبيع ولا ما يقع منه للإجارة، فهذا أكل مال بالباطل، فإن تطوع كل ما ذكرنا بإحضار ما ذكرناه من غير شرط جاز ذلك، لأنه فعل خير) (٢) .

على أن الحنابلة والشافعية صح لديهم ما يخالف هذا؛ فقد جاء في الإنصاف ما مضمونه أنه إذا جمع بين بيع وإجارة صح، وهو المذهب. قال الشيخ تقي الدين: يجوز الجمع بين البيع والإجارة في عقد واحد في أظهر قولهم، وقدمه في المغني، والمحرر، والشرح، والفروع، والفائق (٣) .

وجاء في حاشية الشرواني على شرح تحفة المحتاج ما مؤداه أنه يجوز تقديم الطبيب للدواء، فإن لم يشف العليل فلا يرجع على الطبيب الماهر بشيء، ويرجع على غير الماهر في صناعته بثمن الأدوية، إذا كان قد جهل حاله (٤) .

وإذا كان هذا الرأي الأخير لا يصطدم مع النص، ويستجيب للمصلحة في أمر يجوز أن يكون لصالح الناس أثر في الحكم (٥) ، فإنه لذلك يكون هو الأولى بالاتباع، لا سيما والمروي عن مالك وعن أحمد بن حنبل أنه يجوز أن يكون الدواء من عند الطبيب (لضرورة الناس) (٦) .


(١) الذخيرة، للقرافي، تحقيق الأستاذ محمد أبو خبره، طبعة دار الغرب الإسلامي: ٥/٤٢٢، ٤٢٣.
(٢) المحلي، لابن حزم، طبعة دار الفكر: ٨/١٩٦، ١٩٧ مسألة رقم ١٣١٣.
(٣) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، الطبعة الثانية لمؤسسة التاريخ العربي: ٧/٣٢١.
(٤) حاشية الشرواني على تحفة المحتاج بشرح المنهاج، طبعة دار إحياء التراث العربي: ٦/١٦٣.
(٥) يرى الدكتور عبد الستار أبو غدة أن الحكم الفقهي في اشتراط الدواء على الطبيب هو من القضايا الملحوظ فيها أثر الأعراف والأوضاع الزمنية، وأنه لا يوجد ما يلزم بمتابعة هذه القضايا مع تطور أصول التعامل في مجالها، (الدكتور عبد الستار أبو غدة، في فقه الطبيب وأدبه، من أبحاث المؤتمر العالمي الأول عن الطب الإسلامي، طبع وزارة الصحة العامة بالكويت، الطبعة الثانية، العدد الأول، ص٥٩٤) .
(٦) الذخيرة، للقرافي، تحقيق الأستاذ محمد أبو خبره، طبعة دار الغرب الإسلامي: ٥/٤٢٢، ٤٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>