للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ناحية أخرى، فإن العقد المعروض لا ينطوي على أكل لأموال الناس بالباطل أو الإلزام بما لا يلزم شرعًا، طالما أنه لا يتصور –طبقًا للمجريات العادية للأمور- ألا تؤدي المستشفى علاجًا مقابل المبلغ الذي قبضته، فلم تجر العادة أن مثل من يعملون في المؤسسات الكبيرة –لا يمرض منهم أحد أو يصاب بأذى طوال الفترة المحددة في العقد والتي هي عادة –ولمصلحة الطرفين- لا تكون قصيرة، حتى تسمح بتطبيق المتوسطات التي تدل عليها الدراسات والإحصاءات العلمية المدروسة.

ونتيجة لذلك كله، فإن العقد المعروض، وإن لم يكن تعاونيًا خالصًا، لافتقاده لخصائص عقد التأمين التعاوني، وليس تبرعًا بحتًا، لأن المؤسسة، وإن دفعت المبلغ من موازنتها دون قصد الرجوع على العاملين، فإن المستشفى لا ترضى عادة ألا يكون لها هامش مقبول من الربح فيما تقدمه من خدمات علاجية، هذا العقد المعروف إذا لم يكن هذا ولا ذاك، فإنه يفتقد كثيرًا من خصائص عقد التأمين التجاري؛ فليس للمؤسسة مصلحة ذاتية في علاج من يصاب من العاملين أو يمرض، وإنما هي تهدف –أساسًا- إلى التكافل الذي من شأنه أن يستحث هؤلاء العاملين على الإخلاص في الأداء، استشعارًا منهم بالرعاية والحرص على مصالحهم الشخصية خارج النطاق المباشر للعمل، ثم إن الترابط واضح بين المؤمن عليهم، فهم يشكلون جبهة واحدة، يخلقها العقد ذاته ولا تستقى من عقود أخرى خارجة عنه، وهم لا يدفعون مقابلًا ماديًا لما يحصلون عليه من خدمات، هي في حقيقتها لا تخرج عن طابعها الإنساني، ومن ثم فإن هذا العقد يعتبر نوعًا من التأمين المختلط الذي يلابسه الهدف الاجتماعي ويؤثر فيه الغرض النبيل الذي يسعى إليه وهو البرء والشفاء والرعاية الصحية، وهو وإن لم يكن تبرعًا، فإنه شبيه بالتبرعات من بعض الوجوه، وبالتالي فلا يكون به ما يرجح الجانب التجاري، ويحق لذلك تغليب الجانب الاجتماعي فيه، والحكم عليه بالمشروعية.

<<  <  ج: ص:  >  >>