للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب-الصورة الثانية: المؤسسة المتعاقدة مؤسسة خاصة، غير ملزمة بالتأمين طبقًا لنظام الدولة، والمستشفى غير ملزم بصرف الدواء:

١٦-تخضع الحالة المعروضة في هذا التطبيق لعقد تبرمه مؤسسة خاصة، باختيارها، مع مستشفى أو مستشفيات، لعلاج العاملين بها، من الأمراض أو الإصابات التي قد تعرض لهم، خلال فترة معينة، مع إجراء العمليات الجراحية اللازمة دون تقديم الدواء الذي يحتاجونه، ذلك لقاء مبلغ معين تدفعه المؤسسة.

وعقد التأمين المشار إليه في هذه الصورة يطلقون عليه في الدراسات القانونية اسم عقد التأمين الجماعي، ويقولون: (إن من خصائصه أن طالب التأمين يعقده لمصلحة مستفيدين لا يعينهم بذواتهم، وإنما يكون تعيينهم بتعيين بعض الصفات التي تجمع بينهم في علاقاتهم به، ويكون مستفيدًا في التأمين، وفي الوقت ذاته مؤمنًا له، كل شخص توافرت فيه هذه الصفات وقت وقوع الحادث المؤمن منه. . . ولا تتعدد أقساط التأمين بتعدد المستفيدين، بل هي أقساط عقد واحد يشمل جميع المستفيدين، فهو عقد جماعي) (١) .

والعقد بالصورة المعروضة في التطبيق، عقد معاوضة، لأن التزام المستشفى بالعلاج سببه التزام المؤسسة بأداء المبلغ المتفق عليه. وهو عقد احتمالي، لأن الالتزام بالعلاج متوقف على وقوع المرض أو الإصابة، إلا أن الاحتمال فيه يختلف عن الاحتمال الذي يوفره العقد الفردي، فقد قصدت المؤسسة منه مصلحة جماعة العاملين بها، ووضعت حقوقهم في سلة واحدة، وبحيث تتأثر وتؤثر في حقوق والتزامات المستشفى وهي مجتمعة، فالتزام المؤسسة بأداء المبلغ ليس مقسمًا على عدد رؤوس العاملين، وإنما هو مدفوع عنهم جملة واحدة، والتزام المستشفى بعلاج أحد هؤلاء العاملين ليس منفصمًا عن التزامها بعلاج سائرهم. وطبقًا للمجريات العادية للأمور، فإن هذه العوامل –بما له من تأثير في تحديد الالتزامات والحقوق- قد روعيت في الاتفاق، فاستعين بقانون الأعداد الكبيرة، الذي من شأنه أن يحدد -على سبيل الظن الراجح بالنسبة للمجموع – عدد المرات التي تقع فيها الكارثة، ومدى خطورتها، وأن يحدد بالتبعية واجب العلاج ونفقاته بما لا يخرج –في واقع الأمر – عما تفرضه قوانين الإحصاء.

وترتيبًا على ذلك، يكون هذا العقد قد خلا من الغرر الكبير المبطل لعقود المعاوضات، وإن شابه الغرر اليسير الذي كثيرًا ما يلابس العقود التعاوضية فلا يؤثر فيها، لأنه لا ينصب على احتمال وجود العوض أو عدم وجوده، ولا على احتمال حصوله أو عدم حصوله، فالعوض حاصل على كل حال، وإن كان الواقع منه قد يزيد أو ينقص قليلًا عما قدره العاقدان وقصداه، ثم إن في منع هذا التعاقد إضرارًا بالعاملين في المؤسسة بإضاعة مكسب تبرع به رب العمل بلا مقابل، ولا يصلح التأمين التعاوني لأن يملًا الفراغ الذي يتركه لما يتطلبه من اشتراكات قد ينوء بها كاهلهم، كما لا يمكن اعتباره تأمينًا اجتماعيًا خالصًا، لأن المؤسسة ليست من هيئات الدولة، ولا يوجد من يلزمه به وحرمان العاملين منه ينطوي على إخلال بالمساواة الواجبة لعدم التسوية بينهم وبين الموظفين الذين يعملون معهم في ذات البلد، وقد يتفقون سويًا في طبيعة العمل أو يتقاربون في ذلك.

وما دام الغرر يسيرًا، وقد لابسه ما سلفت الإشارة إليه، فإن الجهالة الفاحشة تكون منتفية، لعدم توفر ما يُفضي إلى كثرة المنازعات، لا سيما إذا نص في العقد صراحة على ما تقول الدراسات القانونية إن العمل جرى به، وهو أنه يجب إخطار المؤمن بأي تعديل في ظروف العمل يكون من شأنه أن يؤثر في تقرير طبيعة الأخطار المؤمن منها ومداها، كما يجب إخطاره بكل تغيير في عدد المستفيدين ومقدار مرتباتهم، وإنه إذا وقع خطأ بحسن نية، فإن للطرفين –بعد اكتشافه- أن يتفقا على زيادة المبلغ المدفوع، أو استبعاد أثر هذا الخطأ من نطاق التأمين، ليسترد المؤمن ما يكون قد دفعه للمؤمن لهم عن هذه الأخطار (٢) .


(١) الدكتور عبد الرزاق السنهوري، الوسيط، الطبعة الأولى: ٧/٢، ص١٤٠٤.
(٢) الدكتور عبد الرزاق السنهوري، الوسيط، الطبعة الأولى: ص١٤٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>