للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الثالث

طبيعة التزام الطبيب بالعلاج

ومدى جواز المشارطة على البرء

١٩-لا جدل في أن الشافي من المرض هو الله تعالى، وأنه يجب الالتجاء إليه والتوكل عليه، إيمانًا بقوله: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: ٨٠] .

غير أنه لا يحق –كذلك- أن يكون هناك جدل في أن العلاج والتداوي لا يتعارض مع هذا التوكل، فالأخذ بالأسباب في جلب المصالح ودرء المفاسد لا يتنافى معه، والمكلف إنما يتعاطى السبب امتثالًا لأمر الله، مع يقينه بأنه لا يقع في ملك الله إلا ما شاء الله أن يقع.

وما دام الشافي من المرض هو الله تعالى، فإن التزام الطبيب بالعلاج لا بد أن يكون التزامًا ببذل العناية الواجبة في علاج مريضه، وفقًا لأصول صنعة الطب، وذلك ما تسميه الدراسات القانونية باسم الالتزام بعناية (١) ، تمييزًا له عن نوع آخر من الالتزامات يسمى (الالتزام بغاية) وفيه يعتبر المدين مخطئًا إذا لم يحقق الغاية المتفق عليها، سواء أكان مقصرًا أم غير مقصر، بل لو منعه السبب الأجنبي من تنفيذ التزامه –القوة القاهرة- فإنه يعتبر مخطئًا، لأنه لم ينفذ التزامه، وإن كانت رابطة السببية تنتفي بوجود السبب الأجنبي، فتنعدم المسؤولية بانعدام السبب لا لانعدام الخطأ (٢) .


(١) تقول محكمة النقض المصرية في مسؤولية الطبيب: إن مسؤولية الطبيب الذي اختاره المريض أو نائبه لعلاجه هي مسؤولية عقدية، والطبيب وإن كان لا يلتزم بمقتضى العقد الذي بينه وبين مريضه بشفائه، أو بنجاح العملية التي يجريها له، لأن التزام الطبيب هو التزام ببذل عناية، وليس التزامًا بتحقيق نتيجة، إلا أن العناية المطلوبة منه تقتضي أن يبذل لمريضه جهودًا صادقة يقظة تتفق –في غير الظروف الاستثنائية- مع الأصول المستقرة في علم الطب، فيسأل الطبيب عن كل تقصير في مسلكه الطبي لا يقع من طبيب يقظ في مستواه المهني، وجد في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت بالطبيب المسؤول. (نقض مدني جلسة ٢٦ سبتمبر سنة ١٩٦٩م المنشور في مجموعة المكتب الفني، السنة ٢٠، ص١٠٧٥) .
(٢) الدكتور عبد الرزاق السنهوري، الوسيط، الطبعة الأولى: ١/٦٦٣، بند ٤٣٠؛ وفي إثبات مسؤولية الطبيب، ذات المرجع، بند ٤٢٩، ص٦٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>