للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكي نمهد للموقف نجد أن من المستحسن أن نذكر مثالين:

الأول: حول مسألة اشتراط القدرة على التسليم في صحة العقد.

الثاني: مسألة خيار الشرط.

المثال الأول ـ شرط القدرة على التسليم استنادًا للمنع عن بيع الغرر:

استند الفقهاء عند عرض مسألة اشتراط القدرة على التسليم في صحة العقد إلى مسألة المنع عن الغرر، وهنا يقول الشيخ الأنصاري:

(وبالجملة فالكل متفقون على أخذ الجهالة في معنى الغرر، سواء تعلق الجهل بأصل وجوده أم بحصوله في يد من انتقل إليه، أم بصفاته كمًّا أو كيفًا، وربما يقال: إن المنساق من الغرر المنهي عنه، الخطر من حيث الجهل بصفات المبيع ومقداره، لا مطلق الخطر الشامل لتسليمه وعدمه، ضرورة حصوله في بيع كل غائب، خصوصًا إذا كان في بحر ونحوه، بل هو أوضح شيء من بيع الثمار والزرع ونحوهما، والحاصل عدم لزوم المخاطرة في مبيع مجهول الحال بالنسبة إلى التسلم وعدمه، خصوصًا بعد جبره بالخيار لو تعذر.

وفيه: أن الخطر من حيث حصول المبيع في يد المشتري أعظم من الجهل بصفاته مع العلم بحصوله، فلا وجه لتقييد كلام أهل اللغة، خصوصًا بعد تمثيلهم بالمثالين المذكورين: (بيع السمك في الماء، والطير في الهواء) واحتمال إرادة ذكر المثالين لجهالة صفات المبيع لا الجهل بحصوله في يده، يدفعه ملاحظة اشتهار التمثيل بهما في كلمات الفقهاء للعجز عن التسليم لا للجهالة بالصفات) .

وبعد أن ذكر أمثلة على استدلال علماء الشيعة والسنة على اعتبار القدرة على التسليم بالحديث النبوي المشهور، عقب على ذلك بقوله: (فالأولى أن هذا النهي من الشارع لسد باب المخاطرة المفضية إلى التنازع في المعاملات) (١) .

ويشكك الإمام الخميني على هذا الاستدلال، مستعرضًا أقوال اللغويين رافضًا إرجاع المعاني التي ذكروها إلى (الجهالة) ومقررًا أنه ليس من الضروري إرجاعها إلى معنى جامع، قائلاً: (وبالجملة، الغرر مستعمل في معان كثيرة لا يناسب كثير منها للمقام، والمناسب منها هو الخدعة، والنهي عنها ـ كالنهي عن الغش ـ أجنبي عن مسألتنا هذه، فإرجاع المعاني إلى معنى واحد أجنبي عن معانيه، ثم التعميم لما نحن فيه ـ أي اشتراط القدرة على التسليم ـ مما لا يمكن المساعدة عليه، إلا أن يتمسك بفهم الأصحاب ـ وهو كما ترى ـ أو تكشف قرينة دالة على ذلك، وهو أيضًا لا يخلو من بعد. لكن مع ذلك تخطئة الكل مشكلة والتقليد بلا حجة كذلك) .

ويقول في نهاية تعليقه، بعد أن يستعرض الروايات الواردة في الغرر ويشكل على كيفية الاستفادة منها: (والإنصاف أن الحكم (اشتراط القدرة على التسليم في صحة العقد) ثابت وإن كان المستند مخدوشًا) (٢) وهكذا فهو لا يعتبر الإبهام في القدرة على التسليم من الغرر.

ويمكن أن نضيف هنا أن جبر هذا الإبهام بالخيار أمر يقبل التأمل، ولا يبعد قبوله لنفي الغرر المتصور، وهو الذي أشار إليه الشيخ الأنصاري بتعبير (المخاطرة المفضية إلى التنازع في المعاملات) .

ولا نريد هنا أن نقرر في مسألة اشتراط هذا الشرط في صحة العقد عمومًا، بقدر استهدافنا القول بأن هذا الإبهام لا يبرر بنفسه ـ في نظر بعض كبار الفقهاء ـ هذا الاشتراط.


(١) (المكاسب: ٥ / ١٨٦)
(٢) (البيع: ٣ / ٢٠٦ ـ ٢٠٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>