للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المثال الثاني ـ خيار الشرط:

ورغم الاختلاف في تسميته فقيل عنه: خيار الشرط، والخيار الشرطي، وخيار التروي، وبيع الخيار. فقد أجمعت المذاهب على مشروعيته، وقد استدل له تارة بالإجماع، وأخرى بالأخبار العامة المسوغة للاشتراط، من قبيل:الخبر الذي ادعي تواتره: ((المسلمون عند شروطهم)) (١) . وثالثة بالأخبار الخاصة من قبيل ما رواه الدارقطني عن محمد بن إسحاق عن الرجل الأنصاري الذي كانت بلسانه لوثة، فكان لا يزال يغبن في البيوع (٢) . وما رواه البخاري من حديث: ((المتبايعان كل منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا، إلا بيع الخيار)) (٣) .

فهو عقد مجمع على صحته إجمالاً، ولكنه على أي حال يشتمل على غرر بالمعنى الشائع عن الغرر، وخصوصًا إذا لاحظنا مدة الشرط، وقد ذكرت الموسوعة الكويتية أن الحكمة التي لاحظها الفقهاء في التوقيت هي: (ألا يكون الخيار سببًا من أسباب الجهالة الفاحشة التي تؤدي إلى التنازع، وهو ما تتحاماه الشريعة في أحكامها) (٤) .

ونحن نجد الفقهاء يختلفون في هذه المدة، فهناك من يفوض ذلك للمتعاقدين في حدود المعتاد، وهناك من يحدد بثلاثة أيام، وهناك من يفوض للمتعاقدين مطلقًا وهو مذهب أحمد ومحمد بن الحسن وأبي يوسف وابن أبي ليلى وابن شبرمة والثوري وابن المنذر وإسحاق بن راهويه، وأبي ثور وعبيد الله بن الحسن العنبري (٥) وقال الشيخ الأنصاري من علماء الإمامية ما نصه: (ولا خلاف في صحة هذا الشرط ولا في أنه لا يتقدر بحد عندنا) (٦) .

وقال الإمام الخميني: (لا إشكال في صحة اشتراط الخيار في العقد وثبوته بالشرط. . . ويشترط تعيين الدة وضبطها بدوًا وختمًا، فلو تراضيا على مدة مجهولة كقدوم الحاج مثلاً بطل البيع لصيرورته غرريًا) (٧) .

وكانت مشكلة الغرر المتصور هنا هي المشكلة الأساسية أمام الفقهاء، فالجهل هنا موجود لا محالة؛ لأن من ليس له الخيار على الأقل لا يعلم بالمدة التي سيبقى معها العقد قائمًا.

فربما أجابوا بأن (الجهالة التي لا يرجع الأمر معها غالبًا إلى التشاح، بحيث يكون النادر كالمعدوم، لا تعد غررًا كتفاوت المكابيل والموازين) (٨) وربما قيل بأن (حديث ((نهي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الغرر)) مخصص بخروج الغرر والحاصل من جهالة مدة الخيار، إلا لبطلت كل البيوع بجهالة مدة خيار المجلس، بل لا يضر جهالة أصل ثبوت الخيار. . فيعلم أن المراد من الحديث هو النهي عن بيع يكون المبيع أو الثمن فيه مجهولاً كمًا أو وصفًا، فتكون إضافة البيع إلى الغرر من قبيل الإضافة إلى المفعول) (٩) .


(١) (المكاسب: ٥ / ٢١٨) طبعة تبريز
(٢) (سنن الدراقطني: ٣ / ٥٦ ط. دار المحاسن وغيره)
(٣) (صحيح البخاري: ٤ / ٣٣٧ ط، المطبعة السلفية وغيره)
(٤) (الموسوعة الكويتية: ٢ / ٨٢)
(٥) (الموسوعة الكويتية، ص ٨٣)
(٦) (المكاسب: ٥ / ٢٢٨، طبعة تبريز)
(٧) (البيع: ٤ / ٢٠٩)
(٨) (المكاسب: ٥ / ٢٢٨)
(٩) (البيع للإمام الخميني، ص ٢١١ ـ ٢١٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>