للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وربما قيل بأن (الغرر المذكور لا يضر بصحة المعاملة والشرط، وذلك لأن الغرر الآتي من قبل الاشتراط مشمول للقاعدة، لا الآتي من قبل عمل صاحب الخيار؛ فإنه بعد ثبوت الخيار له فالجهل بعمله متأخرًا عن القرار المعلوم لا يضر بالبيع ولا بالشرط) (١) كما قد يقال: إنه لا دليل على أن كل جهل داخل المعاملة يضر بالعقد (٢) .

وأخيرًا قد يقال: (إن الظاهر من موارد استعمالات الغرر أنه ما يقرب إلى الخديعة) (٣) وليس موردنا من موارد الخديعة.

وهذا القول الأخير هو الذي يمكن استفادته من شروح اللغويين، بتقريب أن الخديعة التي تشير إليها المصادر اللغوية إذا أضيفت إلى البيع حملت معنى معينًا من الخداع يمكن تلخيصه بأنه (ما كان له ظاهر يغر وباطن مجهول يجعله في معرض الخطر المعاملي، وهو الاختلاف بعد ذلك بشكل يصعب معه تعيين الموقف عند النزاع والتشاح، فيحصل الضرر والهلكة والخطر) .

وهذا المعنى يستفاد أيضًا من النصوص الناهية عن الغرر، ولا مجال هنا لاستعراضها، وربما كان هو ما توصل إليه الكثير من الفقهاء؛ فحتى الشيخ الأنصاري صاحب المكاسب الذي فسر الغرر بالجهالة يقول بعد البحث: (فالأولى أن النهي من الشارع لسد باب المخاطرة المفضية إلى التنازع في المعاملات) (٤) .

وقد رأينا أن الإمام الخميني مثلاً يشكك في اعتبار مجهولية القدرة على التسليم داخلة تحت عنوان (الغرر) (٥) .

ويقول أيضًا: (والإنصاف أن اعتبار العلم في غير ذات المبيع والأوصاف التي ترجع إليها لا دليل معتد به عليه، غاية الأمر إلحاق الأوصاف التي هي دخيلة في معظم المالية ـ كالريح والطعم واللون ـ فيما يراد منه ذلك. . . نعم لا إشكال في لزوم إحراز عدم الفساد والمذهب للمالية لا للغرر، بل لإحراز تحقق البيع بعد تقومه بالمالية) (٦) .

ويقول الشيخ الضرير: (وقد ورد الحديث الصحيح بمنع بيع الغرر فوجب الأخذ به ومنع كل بيع فيه غرر، ومقتضى هذا أن يؤثر الغرر في عقد البيع وحده. ولكن نظرنا فوجدنا أن الغرر إنما منع في البيع لأنه مظنة العداوة والبغضاء وأكل المال بالباطل، كما بين ذلك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث النهي عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه، ولما كان هذا المعنى متحققًا في كل عقود المعاوضات المالية ألحقناها بالبيع) (٧) .

وقد استنتج الأستاذ الزرقا هذا المعنى من النصوص قائلاً: (إن الغرر المنهي عنه هو نوع فاحش متجاوز للحدود الطبيعية، بحيث يجعل العقد كالقمار المحض اعتمادًا على الحظ المجرد في خسارة واحد وربح آخر دون مقابل) .

أما بالنسبة للجهالة فهو يركز على رأي الحنفية في التمييز بين جهالة أخرى (فالجهالة التي تؤدي إلى مشكلة تمنع تنفيذ العقد فتبطله، والجهالة التي لا تأثير لها في التنفيذ لا مانع منها، وعلى هذا يصححون الوكالة العامة) (٨) .


(١) (البيع للإمام الخميني، ص ٢١١ ـ ٢١٢)
(٢) (البيع للإمام الخميني، ص ٢١١ ـ ٢١٢)
(٣) (تعليقة المرحوم الغروي على المكاسب، ص ٣٠٠، طبعة مجمع الذخائر ـ قم)
(٤) (المكاسب: ٥ / ١٨٥)
(٥) (البيع: ٣ / ٢٠٦ ـ ٢٠٧)
(٦) (البيع: ٣ / ٣٥٩)
(٧) (الغرر في العقود، ص ٤٢)
(٨) (نظام التأمين، ص ٥١ ـ ٥٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>