وعلى هذا الاستنتاج كنا قد صححنا ـ كما قلنا من قبل ـ عقد التأمين عمومًا، ولا نريد أن نعيد البحث، وإنما فصلنا قليلاً في معنى الغرر لنركز بعد هذا على مسألة التأمين الصحي، ونستعرض إمكانيات تصحيحه حتى على ضوء القرار الذي اتخذه مجمع الفقه الإسلامي المؤرخ في ١٦ ربيع الثاني ١٤٠٦هـ والمرقم (٢) حيث جاء فيه:
١ ـ إن عقد التأمين التجاري ذا القسط الثابت الذي تتعامل به شركات التأمين التجاري عقد فيه غرر كبير مفسد للعقد، ولذا فهو حرام شرعًا.
٢ ـ إن العقد البديل الذي يحترم أصول التعامل الإسلامي هو عقد التأمين التعاوني القائم على أساس التبرع والتعاون (١) .
وبالتأمل في ما مضى نجد أن الغرر الموجود في هذا العقد ليس من الغرر الكبير الذي تتحاماه الشريعة ـ كما عبرت الموسوعة الكويتية ـ وليس مما يرجع الأمر معه إلى التشاح ـ كما عبر الشيخ الأنصاري ـ وليس ما يقرب إلى الخديعة ـ كما علق المرحوم الغروري ـ وليس ما يجعل العقد في معرض الخطر المعاملي ويؤدي إلى التنازع في المعاملات ـ كما عبر الشيخ الأنصاري في موضع آخر ـ وليس من النوع الفاحش المتجاوز للحدود الطبيعية بحيث يجعل العقد كالقمار المحض ـ كما يعبر الأستاذ الزرقا ـ وليس من الجهالة التي تمنع تنفيذ العقد ـ كما يعبر الحنفية ـ كما أنه لا يشكل مما مظنة للعداوة والبغضاء وأكل المال بالباطل ـ كما عبر الشيخ الضرير ـ ثم إنه ليس مما كان له ظاهر يضر وباطن مجهول، مما يؤدي للاختلاف ويؤدي بالتالي إلى الضرر والهلكة والخطر ـ كما قلناه في الحصيلة.
وبالتالي فلا نستطيع أن نطلق عليه عبارة (الضرر الكبير) ليشمله الحكم السابق لمجمع الفقه.
هذا ويمكن أن يقال لتأكيد هذا الاستنتاج: إن دراسة الحالة دراسة موضوعية دقيقة ومعرفة الظروف التي يعيشها الشخص، أو دراسة مجموع الحالات التي يعيشها عمال مؤسسة ما، ومعدل الخسائر التي تصيب هذا المجموع، يمكن أن يوصل إلى حالة من الاطمئنان بالنتائج إجمالاً، رغم أن الخسائر تختلف من حالة إلى أخرى، مما يجعل الحسابات تقرب إلى الواقع على الإجمال لدى المؤسسة المؤمنة، في حين نعلم أن الأقساط المدفوعة من قبل المؤمن له أو لهم واضحة ومحددة.
(١) (مجلة مجمع الفقه الإسلامي، الدورة الثانية: ٢ / ٧٣١)