ولكن هذا العملاق الشامخ دب إلى كيانه الهرم والشيخوخة يوم تعصب الفقهاء إلى الفروع وتناسوا الأصول حتى قال العلامة تاج الدين السبكي في كتابه "معيد النعم ومبيد النقمم": فلعمر الله لا أحصي عدد من رأيته يشمر على ساق الاجتهاد في الإنكار على شافعي يذبح ولا يسمي، أو حنفي يلمس ذكره ولا يتوضأ، أو مالكي يصلي ولا يبسمل، أو حنفي يقدم الجمعة على الزاول، وهو يرى من العوام ما لا يحصى عدده إلا الله يتركون الصلاة التي جزاء من تركها عند الشافعي ومالك وأحمد ضرب العنق ولا ينكرون عليه".
ويشاء الله أن تعرف الأمة الإسلامية صحوة جديدة فتثار معركة إحياء التراث بين جماعة تعتقد أن ليس في الإمكان أبدع مما كان، وجماعة تدعو إلى تجاوزه فقد استنفد أغراضه في زمن معين، ومكان خاص، وإذن فستعيش الأمة الإسلامية في حالة استيلاب واغتراب.
ولا ريب أن مجمعنا سيكون كما أراد الله للأمة الإسلامية أن تكون {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}[البقرة: ١٤٣] ، ستلتزم بالقرآن الكريم، والسنة الثابتة الطاهرة، في إطار العدل والمصلحة والإحسان، فالقرآن نزول وتنزيل، نزول تم بموت الرسول، وتنزيل على الوقائع واستنباط الأحكام يجب أن يستمر إلى يوم يبعثون، ذلك أن الدين الإسلامي دين خلق وإبداع، دين منفتح يترك للفرد مبادرة كبرى، وحرية في التكييف والتغيير. وتوقع التحولات. ونحن سنجابه الواقع بما فيه من تحديات، ومشاكل اجتماعية وحضارية، وبما فيه من علوم وتقنيات ومعارف لنستنبط من الأصول بروح جماعية الحلول الملائمة. إن عودتنا إلى القيم التراثية بهذه الصورة حجة على مسايرة عضوية، وبرهان على أنه يوفر للقيم التي يحملها التحاما عميقا للواقع الذي نعيشه، فالرسالة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، والشريعة الإسلامية مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد، في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المضرة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن دخلت فيها بالتأويل.
حضرات السادة الأجلاء،
إن الاعتراف بالجميل، وإسناد الفضل إلى ذويه سنة متبعة، وطريقة محكمة، وصفة حميدة في محيط الأخلاق الإسلامية قال تعالى:{وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ}[البقرة: ٢٨٣] ، وقال عز من قائل {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} . [الأعراف: ٨٥]
فمعالي الأمين العام الأستاذ الجليل السيد الحبيب الشطي معلمة شاركت في مختلف دروب النضال ليستعيد وطنه الحبيب الحرية والاستقلال، وشاركت في معركة الجهاد الأكبر، فتقلب في مسؤوليات سامية في الداخل والخارج، كان في جميعها عملا متواصلا ورؤية صادقة، وتفكيرا ثاقبا، وابتكارا يبحث عن الحلول التي يستقطبها الصالح العام، ثم عندما أسندت إليه الأمانة تحملها بنفس راضية مرضية. فكان صلبا في مبادئه واختياراته، صبورا في خطواته وإنجازاته، حتى ازدانت هذه المنظمة بنتائج باهرة. وأعمال إيجابية صالحة.