للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الأصوليون في هذه الحالة: إن إجمال الخاص لا يسري إلى العام، ذلك أن هذا العام قد انعقد ظهوره بشكل كامل، فشمل كل العقود العرفية. وعندما يأتي الخاص فإنه يخصص في القدر المتيقن، وهو هنا (الغرر الفاحش المؤدي للنزاع) ولكنه لا يستطيع التخصيص فيما عدا ذلك؛ لأنه ـ أي الخاص ـ لا تعلم حجيته فيه، أي في القدر الزائد.

فإذا خرج القدر المتيقن من تحت العام بحجة أقوى (وهي حجة الخاص) يبقى القدر الزائد لا مزاحم لحجية العام وظهور فيه (١) وبتعبير آخر يقول المرحوم الشهيد الصدر، بعد أن يأتي بمثال للعام هو (أكرم كل فقير) ومثال للخاص وهو (لا يجب إكرام فساق الفقراء) ، ويتردد مفهوم الفاسق بين مطلق مرتكب الذنب وبين خصوص من ارتكب الكبيرة، يقول: (إن مقتضى الحجية وهو ظهور العام في العموم بالنسبة لمورد الإجمال موجود والمانع مفقود، أما وجود المقتضي فلما تقدم من أن المخصص المنفصل لا يهدم الظهور، وإنما يتقدم عليه في الحجية بملاك الأظهرية أو القرينية، وأما عدم المانع فلأن الثابت من المانع عن حجية العموم إنما هو بمقدار فاعل الكبير من الذنب، وأما فاعل الصغيرة فلم يثبت بحسب الفرض خروجه بالتخصيص، فيبقى العام على حجيته لما تقدم من أن ظهور العام بنفسه حجة في نفي التخصيص المحتمل) (٢) .

وهنا نقول:

إن الغرر الذي انتهينا إليه والمنهي عنه لا يشمل موردنا ـ كما قلنا ـ فإذا شككنا في شموله لموردنا أي (الغرر غير الفاحش الذي لا يؤدي إلى النزاع المعاملي) فمعنى ذلك أننا شككنا في مفهوم الغرر، وترددنا فيه بين خصوص الغرر الفاحش المؤدي للنزاع أو ما يشمله ويشمل غيره، وحينئذ يمكننا التمسك بعموم (أوفوا بالعقود) وأمثاله من العمومات والإطلاقات الصحيحة للعقود العرفية، لشمول موردنا هذا دون أن يعارضه الدليل المخصص الذي افترضنا فيه شبهة مفهومية، فهو لا يقوى على إخراج ما يحتمل شموله من نطاق أفراد العام الذي هو حجة فيه.

إلى هنا ينتهي بحثنا المختص عن النقطة الأولى: وهي مسألة مدى احتواء عقد التأمين على الغرر المنهي عنه.


(١) (راجع أصول الفقه للمظفر: ١ / ١٣٠ المطبعة العلمية ـ النجف)
(٢) (بحوث في علم الأصول: ٣ / ٢٩٩ (تقرير السيد محمود الهاشمي)

<<  <  ج: ص:  >  >>