للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النقطة الثالثة ـ مسألة الحرج الاجتماعي عند نفي التأمين الصحي:

إن مسألة التأمين الصحي هي حاجة اجتماعية ملحة، وخصوصًا للطبقات الفقيرة، ولا يمكن التغاضي عنها؛ لأن ذلك يشكل حرجًا اجتماعيًا عامًا، حتى ولو لم يكن يمثل حرجًا شخصيًا في بعض الموارد.

وقد ذكر الأستاذ الضرير شروطًا لتأثير الغرر، ومنها: (ألا تدعو للعقد حاجة) معللاً ذلك بقوله: (لأن العقود كلها شرعت لحاجة الناس إليها، ومن مبادئ الشريعة المجمع عليها رفع الحرج، قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] . ومما لا شك فيه أن منع الناس من العقود التي هم في حاجة إليها يجعلهم في حرج، ولهذا كان من عدل الشارع ورحمته بالناس أن أباح لهم العقود التي يحتاجون إليها ولو كان فيها غرر. . ثم ذكر أن الحاجة قد تكون عامة وقد تكون خاصة) (١) . إذا افترضنا قيام الدولة بعملية التأمين هذه، فإننا لا نرى مشكلة في البين كما مر، أما إذا كانت الدولة غير ملتزمة لسبب أو لآخر بذلك، فإن المنع من عملية التأمين الصحي سوف يشكل بلا ريب حالة حرجية تلقي بثقلها الكبير على

عاتق أفراد المجتمع، ولا تقل ثقلاً عن المصاديق التي تذكرها النصوص الإسلامية لعنوان الحرج.

وقد رأينا أئمة أهل البيت عليهم السلام يذكرون مصاديق للآية الشريفة: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] تعد عادية بالنسبة لهذه المسألة المهمة، وهي من قبيل ما جاء في الرواية التالية:

عن الكافي والتهذيب والاستبصار: أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن علي بن الحسين بن رباط، عن عبد الأعلى مولى آل سام: (قلت لأبي عبد الله ـ يعني الصادق عليه السلام ـ عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء؟ قال عليه السلام: يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل؛ قال الله عز وجل: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} امسح عليه) (٢) .

يقول المرحوم البجنوردي في هذا الصدد: (فهذه الآية الكريمة مع الحديث الشريف تدل دلالة واضحة على أن رفع الأحكام الحرجية مخصوص بهذه الأمة كرامة لنبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلا يمكن أن يكون المراد من الحرج عدم القدرة والطاقة، والعجز عن الامتثال بمثابة يكون تكليفه في تلك الحالة قبيحًا أو غير ممكن، فلا شك في أن المراد من التكاليف والأحكام الحرجية ـ ولو كانت وضعية ـ هو أن يكون الحكم المجعول من طرف الشارع موجبًا للضيق والعسر على النوع أو على الشخص؛ لأنه قد يكون العسر النوعي موجبًا لرفع الحكم ولو كان بالنسبة لبعض الأشخاص غير حرجى) (٣) .

ومما لا ريب فيه أيضًا أن دليل (لا حرج) من الأدلة الثانوية نظير (لا ضرر) وهو يتقدم على أدلة الأحكام الأولية المحمولة على موضوعاتها، من قبيل: (نفي الغرر) والمنفي بدليل (لا حرج) هو جعل الحكيم التشريعي الموجب للحرج.


(١) (الغرر وتأثيره في العقود، ص ٤٦)
(٢) (وسائل الشيعة: ١ / ٣٢٧)
(٣) (القواعد الفقهية للبجنوردي: ١ / ٢١٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>