للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد، فلا يكاد يخالف عاقل في ضرورة العمل على اتقاء كل خسارة ممكنة أو أي نقص ممكن في الأموال، والأنفس، والثمرات، والأبدان، أو في ضرورة العمل على الحيلولة دون تحقق وقوع الخطر المحتمل، أو التخفيف من شدته أو درجته إن وقع. فذلك ـ بعبارة الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فرار من قدر الله إلى قدر الله، وقد أخرج في تاريخه (عن أبي هريرة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ((ومن يتق الشر يؤقه)) وعلمنا ـ بأبي هو وأمي ـ كيف نتقي أمثال هذه الأخطار، فقال مثلاً ـ في الحديث المتفق عليه عن أبي موسى ـ: ((من مر في شيء من مساجدنا أو أسواقنا ومعه نبل، فليمسك ـ أو قال: ليقبض ـ على نصالها بكفه، أن يصيب أحدًا من المسلمين منها بشيء)) .

وقد حرم ربنا عز وجل (الفواحش ـ ما ظهر منها وما بطن ـ والإثم) ومن أظهر معاني الإثم: (الضرر) فقد جعل الله سبحانه الإثم نقيضًا للنفع في قوله جل وعلا عن الخمر والميسر: {فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: ٢١٩] ، ومن أجل ذلك أيضًا يكون من أظهر معاني (البر) : ما ينفع الناس، وقد أمر الله عباده أن يتعاونوا على البر والتقوى، ونهاهم عن أن يتعاونوا على الإثم والعدوان. فأمرهم بالتعاون على ما ينفع الناس، ويدخل في ذلك إزالة آثار النكبات، وأمرهم بالتقوى، ويدخل في معناها الشامل ـ والله أعلم ـ كل اتقاء للسيئات في الدنيا والآخرة. فقد روى الترمذي عن أبي خزامة أن الناس سألوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالوا: يا رسول الله! أرأيت رقى نسترقيها، ودواء نتداوى به، وتقاة نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئًا؟ فقالوا ـ صلوات الله وسلامة عليه: ((هي من قدر الله)) .

<<  <  ج: ص:  >  >>