للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن هنالك نوعًا آخر من المعاملات المالية (يفتعل) الإنسان فيه احتمالاً للخطر غير متأصل فيه أو غير مفطور عليه؛ فالخيل تجري وتستبق دون أن يجر ذلك بالفطرة خسارة مالية لامرئ لا يملكها ولا صلة له بها، ومباراة كرةالقدم تجري دون أن يؤد ذلك ـ بطبيعة الأشياء ـ إلى خسارة مالية لامرئ من غير اللاعين، فإذا تدخل امرؤ لا علاقة له بالامر فافتعل لنفسه احتمال التعرض للخطر (الخسارة) فذلك ظلم لا مسوغ له (والظلم: وضع الشيء في غير موضعه) ، وهو محاولة (لخلق) احتمال للخطر لم يخلقه الله في فطرة هذه الأمور: (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي) ـ كما في الحديث القدسي ـ: (فهذه الأشكال التي يفتعل فيها احتمال الخطر أشكال غير جائزة ـ والله أعلم ـ في نظر الشرع، وهي تندرج تحت عنوانين كبيرين هما: المقامرة والمراهنة.

فالمراهنة (betting) أنك ـ وأنت لا تملك حصانًا ولا علاقة لك بالأمر أصلاً ـ تراهن على أن الحصان الفلاني سيسبق غيره، فإذا سبق ربحت وإذا لم يسبق خسرت المبلغ الذي راهنت به، وكل ما يهم المراهن أن يرضي غروره ويثبت أنه على صواب! فمن الناس من يراهن على فوز فريق في الملعب، أو نجاح حزب في الانتخابات، أو ما شابه ذلك، وهو برهانه لا يستطيع أن يغير من النتيجة شيئًا قط، (لأن أولئك الذي يمكنهم محاولة التغيير هم راكب الجواد أو لاعب الفريق أو الناشط الحزبي) ، ولكن كل ما يهمه أن يثبت أنه قادر على معرفة الغيب بشكل من الأشكال، فهو يحاول أن يضفي على نفسه ولو بشكل لا شعوري ـ صفة من صفات الله ـ عز وجل اختص بها نفسه.

أم االمقامرة (gambLing) فتشبه المراهنة من حيث إنها (افتعال) أو (محاولة خلق) احتمال تعرض للخطر (للخسارة) فالمقامر يراهن على نتيجة لا دخل له في إحداثها كرمي القداح أو الاستقسام بالأزلام أو دورة الروليت، ولكن (الموقف النفسي) للمقامر يختلف عن الموقف النفسي للمراهن، فهو يقامر ليستمتع ويتسلى بغض النظر عن الربح والخسارة، وإنك لترى المقامر على مائدة القمار يخسر ويخسر ويخسر ولكنه يظل يقامر ما دام معه فضل مال يقامر به، فالمراهن يراهن ليثبت أنه ذكي يستطيع استشراف المغيبات، والمقامر يقامر ليستمتع بعملية قائمة على استشراف المغيبات، ولا أدل على ما قلناه من الميسر الذي حرمه الله عز وجل بنص القرآن، فبغض النظر عمن يربح قدحه أو يخسر في الميسر، فإن حصيلة الميسر كانت تذهب إلى الفقراء والمساكين، فالمقامر بالميسر لا يقامر ليربح؛ لأن الربح لن يعود عليه بغنى، وإنما يقامر ليلبي هوى نفسه فلا عجب بعد ذلك أن تتصادم نوازع الهوى هذه بين الناس فتثور بينهم العداوة والبغضاء، ولا عجب أن يلهي المقامرين استغراقهم فيما يستمتعون به من قمار عن ذكر الله وعن الصلاة! .

<<  <  ج: ص:  >  >>