لا يكاد يخلو أمر من أمور الإنسان من احتمالات الخسارة، فالماشي على رجليه يمكن أن تزل به القدم فتنكسر يده (يخسر صحته) ، والراكب في الحافلة يمكن أن يتعرض إلى حادثة قد تستدعي نقله إلى المستشفى (يخسر صحته) ، والنائم في بيته يمكن أن تصيبه قارعة أو تحل قريبًا من داره (يخسر بيته) والتاجر يمكن أن تغرق السفينة التي تنقل بضاعته (يخسر بضاعته) ، وتاجر المباني يمكن أن يتعرض بعض مبانيه للحريق (يخسر مبانيه) ، ولكن احتمال الخسارة في ذلك كله يبقى احتمالاً لا يصل إلى درجة اليقين، وإنما يظل ريبًا يتربصه الإنسان كالذي يتربص ريب المنون.
ولا علاقة لهذه الخسائر ـ في نظر المسلم ـ بالخير والشر، ولا بالصواب والخطأ، ولا برضى الله أو سخطه؛ لأن الله سبحانه وتعالى:{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ}[البقرة: ٢١٦] ولأنه عز وجل: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (١٦) كَلَّا} [الفجر: ١٥ ـ ١٧] .
واحتمال التعرض للخسارة هذا هو الذي يطلقون عليه في اللغة الإنكليزية اسم (رِسْك ـ Risk) ويطلق عليه كثير من كتاب العربية في عصرنا اسم (الخطر) ، وما هو يخطر، ولكنه مجرد (احتمال التعرض للخطر) ، أما (الخطر) فهو الخسارة نفسها متى وقعت.
و (احتمالات التعرض للخطر) شيء متأصل فطري في مختلف أمور الحياة دقيقها وعظيمها؛ فعبور الشارع يحتمل التعرض للخطر، وقيادة السيارة تحتمل التعرض للخطر، والزواج. . وإنجاب الأولاد. . وكل عمل تجاري يحتمل التعرض للخطر، وهكذا. . فاحتمالات التعرض للخطر هذه جزء من قضاء الله وقدره، فطر الله عليها الكون والحياة بجوانبها المختلفة:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا}[الحديد: ٢٢] .
والمتاجرة في أمور يتأصل فيها احتمال التعرض للخطر، بحيث لا يأسى المرء على ما فاته ولا يفرح بما أوتيه، عمل من أفضل الأعمال، فقد كان سيدنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتاجر للسيدة خديجدة قبل البعثة، وكان عدد من صحابته الكرام من أكابر التجار كسيدنا عثمان بن عفان وسيدنا عبد الرحمن بن عوف، وغيرهما ـ رضي الله عنهم ـ وقد أمر الله المسلمين بالعودة إلى البيع بعد صلاة الجمعة والانتشار في الأرض ابتغاء من فضل الله.