للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا ما كان من أمر المظهر الإيجابي لجلب المصالح والمنافع وهو أحد مظهري التعاون على البر، ولكن لهذا التعاون على البر مظهرًا آخر وهو درء المفاسد عن الأخ المؤمن، وحمايته من الشرور، وعونه في تخفيف مغبة هذه الشرور والنكبات إن وقعت.

فقد قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ في الحديث المتفق عليه عن ابن عمر: ((المسلم أخو المسلم: لا يظلمه ولا يسلمه)) وفي رواية مسلم عن أبي هريرة: ((ولا يخذله)) ومن رأى أخاه يتعرض إلى خطر فلم يعمل على وقايته أو رآه يحل به الخطر فلم يعمل على التخفيف عنه، فقد خذله وأسلمه، ومثله الحديث الذي رواه أبو داود، والعراقي في (تخريج الإحياء) : ((المؤمن أخو المؤمن من حيث لقيه: يكف عليه ضيعته ويحفظه من ورائه ويحوطه)) وأي حفظ وحياطة أعظم من وقايته من الوقوع في الشرور والنكبات؟ وأي كف للضيعة أعظم من كف الضيعة الناجمة عن حلول المصائب والنكبات؟

كذلك قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ في الحديث الذي رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه والإمام أحمد عن أبي هريرة: ((من نفس - وفي رواية: فرج - عن أخيه كربة من كرب الدنيا، نفس - وفي رواية: فرج - الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة)) فتنفيس الكربات التي تصاحب وقوع المصائب، والتيسير على من أعسر بسبب خسارة حلت به في نفسه أو ماله أو بدنه، من أعظم القربات ولا شك! .

وقد تحدث سلطان العلماء العز بن عبد السلام عن حقوق بعض المكلفين على بعض، وذكر أن ضابط هذه الحقوق هو: (جلب كل مصلحة واجبة أو مندوبة، ودرء كل مفسدة محرمة أو مكروهة. وهي منقسمة إلى فرض عين وفرض كفاية، وسنة عين وسنة كفاية. . . والشريعة طافحة بذلك، ويدل على ذلك جميعًا قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: ٢] ، وهذا نهي عن التسبب إلى المفاسد، وأمر بالتسبب إلى تحصيل المصالح؛ وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل: ٩٠] ، وهذا أمر بالمصالح وأسبابها، {وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} [النحل: ٩٠] ، وهذا نهي عن المفاسد وأسبابها) .

<<  <  ج: ص:  >  >>