للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كان من فضل الله على عباده، أنه بعد أن وضع للناس كل هذه المبادئ ترك لهم ـ في حدود ما لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالاً ـ أن يجتهدوا بحسب ظروف الزمان والمكان، في إيجاد الوسيلة المثلى لتحقيق هذه المبادئ العظيمة، التي تتغيا اتقاء تحقق احتمالية الأخطار، أو التخفيف من مغبة وقوع هذه المخاطر إذا وقعت. أو بعبارة أخرى تتغيا أن يأمن الإنسان حلول نكبة في نفسه أو ماله أو بدنه ابتداء، وأن يأمن كون مغبة هذه النكبة ـ إن وقعت ـ مغبة كبيرة، وهذه المؤامنة من خوف الخطر، أو قل: هذا (التأمين) يكون بالتعاون على تفتيت هذه المغبة أو ذاك الخطر، والتعاون في تحمل ما جرته من خسران.

ومن قبل ضرب لنا معلم هذه الأمة ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ مثلاً مشرقًا في مسعى هذا القبيل، فقال في الحديث المتفق عليه عن أبي موسى: ((إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قل طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم بالسوية؛ فهم مني وأنا منهم)) فهذا درس عظيم في كيفية اقتسام المجموع بالسوية (أي بالتساوي) لمغبة ما يحل ببعضهم من نكبات أو أخطار. كذلك قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ فيما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري ـ: ((من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد له؛ فذكر من أصناف المال ماذكر، حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل)) .

وليس يخفى أن للتأمين في وقتنا الحاضر أنماطًا متعددة، تلتقفي جميعًا في أن يأمن المرء من أن تكون المصيبة التي ستقع به قاضية عليه، أو أن تكون الخسارة التي ستحل به قاصمة لا قبل له بها، فيأمن التاجر مثلاً أن تؤدي خسارته إلى إفلاسه، ويأمن أفراد الاسرة من أن يؤدي موت عائلهم إلى أن يصبحوا عالة يتكففون الناس، ويأمن المرء أنه سيجد العلاج المناسب لمرضه بتكلفة لا تنقض ظهره، وهكذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>