٢ ـ المؤسسات التأمينية التعاونية الكبيرة: تماثل هذه المؤسسات سابقتها، وتختلف عنها بزيادة عدد المتعاونين زيادة كبيرة. ولذلك فائدتان: أولاهما: أن ما يتجمع من المال يكون أكبر؛ والثانية: أن ذلك يدخل المؤسسة التأمينة في صنف الأعداد الكبيرة، وللأعداد الكبيرة في حساب الاحتمالات شأن كبير؛ لأن احتمال التعرض للخطر هو ـ كما ذكرنا ـ احتمال ظني فيه من الشك قسط كبير.
أما في الأعداد الكبيرة فإن هذا الشك يتضاءل حتى يكاد ينعدم، وتصبح الخسارة شبه متيقنة، فيسهل احتسابها مقدمًا. ولتوضيح ذلك نقول: إذا كان احتمال التعرض للخسارة في عمل تجاري معين يبلغ عشرين بالمائة بالنسبة إلى شخص معين، فمعنى ذلك أنه يمكن أن يخسر (فيكون الاحتمال قد تحقق بنسبة مائة بالمائة) ، ويمكن أن لا يخسر في أبدًا (فيكون تحقق الاحتمال بنسبة صفر بالمائة) أما حينما يكون عدد المشاركين في العمل ألف شخص مثلاً، فإن احتمال التعرض التقديري للخسارة وهو العشرون بالمائة، سوف يتحقق حتمًا أو يكاد. فالخسارة التي تقع على المجموع يكون احتمال وقوعها (٢٠ %) بالتأكيد أو شبه التأكيد ولو أن تحققها بالنسبة إلى كل شخص بعينه يبقى ظنيًا. وبذلك تتضاءل شبهة الغرر أو الجهالة أو تكاد تزول، وتكون ـ إن بقي منها شيء من الغرر المعفو عنه إن شاء الله. ذلك أن المؤسسة التأمينية التعاونية الكبيرة إذا استطاعت أن تقدر مقدمًا ما ستخسره في عام معين بما يشبه اليقين، فسيكون في وسعها ـ بشكل أقرب ما يكون إلى الدقة ـ أن تحدد الأقساط التي ينبغي أن يدفعها كل من المتعاونين لتلافي مغبة الخسارة متى وقعت، كما أن كلا من المتعاونين يدفع ما يدفع راضيًا وهو على مثل اليقين من أنه سيخسر مقدارًا من المال يعرفه تمام المعرفة منذ البداية.
على أن أمثال هذه المؤسسات التأمينية التعاونية الكبيرة، لا تستطيع إدارة هذه المبالغ الكبيرة، ولا إجراء هذه الحسابات، ولا استلام الأقساط وتوزيع التعويضات، بمجرد التطوع والتسيير الذاتي من قبل أعضائها، وإنما لا بد لها من توظيف عدد من الموظفين، وهؤلاء الموظفون ـ كالعاملين عليها في مؤسسة الزكاة ـ يتقاضون من خزانة المؤسسة التأمينية الكبيرة ما يستحقونه من رواتب، كما تؤخذ من هذه الخزانة سائر التكاليف المشتركة.