مما تميزت به عقود العلاج الطبي في القديم أنها كانت تنشئ علاقة مباشرة بين الطبيب والمريض؛ فبيع الأدوية واستئجار الطبيب ومجاعلته كل ذلك ينشئ عقدًا طرفاه مريض وطبيب، لكن الأمر مختلف في يوم الناس هذا.
يمكن القول: إن عقد العلاج الطبي في أيامنا هذه على ضربين:
الأول: عقد إجارة بين المريض والطبي، ومحله التشخيص الطبي، فيأتي المريض إلى طبيبه ويدفع مبلغًا محددًا معلومًا (رسم الكشفية) مقابل أن يفحص هذا الطبيب بدنه أو يستمع إلى أسئلته وشكواه، ثم يصف له علاجًا على صفة حميه أو تناول أدوية أو نحو ذلك، ويستحق الطبيب أجرته بمجرد قيامه بذلك، وليس الأجر مرتبط بالشفاء أو تحسن صحة المريض، إلا أن هذا النوع من المعاقدة قليلًا ما يكون أساس العلاقة بين المريض والطبيب وبخاصة في العمليات الجراحية وما في حكمها، إذ إن أكثر عمل الناس هو العلاج في المشافي وهي الضرب الثاني.
الثاني: وتكون العلاقة التعاقدية في العلاج والرعاية الصحية بين المريض وشخصية اعتبارية هي المستشفى الذي يعمل فيه أطباء وممرضون وأخصائيو مختبر وما إلى ذلك، فالطبيب الذي يباشر علاج المريض أجير للمستشفى وليس للمريض، وهو يحصل على أجرته المقررة مقابل ما يقوم به من علاج للمرضى، لكن خدمته مقدمة للمستشفى وليس للمريض مباشرة.
يمكن أن نتصور أن عقد العلاج في المستشفى إنما محله خدمة طبية ذات مستوى من الجودة مقرر من قبل المستشفى، ويزيد ما يدفعه المريض إلى المستشفى بمقدار ما يحصل عليه المريض من الخدمات. جلي أن المستشفى يشتري خدمات العلاج من أطبائه على صفة عقد إجارة محدد فيه عملهم بشكل دقيق يحكمه دوامهم اليومي في العيادات وما إلى ذلك، ثم يبيع المستشفى تلك الخدمات إلى المرضى مضيفًا إليها أشياء أخرى، مثل الغرفة التي يرقد فيها المرضى ورعاية الممرضات له والطعام المقدم له وآلات التصوير الشعاعي والتحليل. . . إلخ.
وتلك هي أكثر عقود العلاج في يوم الناس هذا. والواقع أن صيغة العقد بين المريض والمستشفى يصعب تصنيفها ضمن العقود المسماة، حقيقة الأمر أن المريض عندما يراجع المستشفى فإنه يدخل في معاقدة مقصود منها البرء مما يشكو منه، وسواء كانت إجارة أو بيعًا أو جعالة لا يكون واضحًا عند الدخول في هذا العقد مقدار الجهد المقدم من المستشفى ومقدار الثمن الذي سينتهي إلى دفعه إليه، ولأن الإنسان يدخل إلى المستشفى أو يراجعه ولا يعرف ما ينتهي به الأمر، لأن الأطباء هم الذين يحددون ما يحتاج إليه ويقرون كمية الخدمة التي سينتهي إلى دفع ثمنها.