لا تخلو عقود العلاج بأنواعها التي أشرنا إليها آنفًا من الغرر، وربما كان الغرر قليلًا كما في التشخيص الطبي، فإذا كانت حالة المريض واضحة مشهورة لم يحتج الطبيب إلا إلى دقائق قليلة لوصف العلاج، وربما كانت حالته غريبة غير معتادة فاحتاجت وقتًا أطول وتشخيصات إضافية، فإن كانت الأجرة واحدة فجلي أن في مقدار الجهد المبذول من قبل الطبيب جهالة عند انعقاد العقد، وإن كانت الأجرة تزيد في الحالة الثانية، كان انعقاد العقد بين المريض والطبيب على أجرة مجهولة لأنه دخل في العقد على أساس رسم الكشف ثم أضيفت إليه الإضافات، فإن قيل: تلك عقود متعددة وليست عقدًا واحدًا؛ رد على ذلك بأن المنفعة من العقد الأول لا تحصل إلا بوجود العقود الأخرى، فدل على أنهما عقد واحد انعقد على جهالة ثمن.
وربما كان الغرر عظيمًا كما في معاقدة الطبيب على البرء، حيث يكون الثمن معلومًا والبرء مجهولًا، لكن عقود العلاج الطبي بكل صيغها لا تخلو من الغرر، لأن طبيعة العلاج تفرض مثل ذلك.
فإذا نظرنا إلى عقد التأمين الصحي وجدناه يشتمل على الغرر، لأن المستأمن يدفع مبلغًا في أول العام ولا يدري مقدار ما سوف يحصل عليه من رعاية صحية خلال ذلك العام، ولكن الغرر في هذا العقد هو دون ما في صيغة المعاقدة على البرء التي أجازها ثلة من الفقهاء القدامى على أساس الجعالة، لأن ذلك هو مقصود المريض لا مقصود له سواه، ولأن الطبيب أعلم بالأمراض وأدويتها من المريض، ولذلك فإنهما إذا عقدا عقدًا على البرء فإنما يفعلان ذلك لغلبة ظن الطبيب أن المريض سيشفى بعلاجه له.