٦- والتأمين الصحي لا يختلف في نظريته الأساسية عن بقية أنواع التأمين وإن كان له خصوصياته. وقد بينا أن التأمين الذي نعني به في هذه الورقة هو تأمين لغرض الرعاية الصحية وليس دفع مبلغ من المال عند الإصابة بمرض، وفيه يلتزم المؤمن بعلاج المستأمن والكشف عليه وصرف العلاج له وتحمل مصاريف المستشفى ونحو ذلك، وخصوصيته أن حاجة الإنسان له قائمة لا يكاد يستغني عن العلاج أحد فليس تعويضًا مرتبطًا بحادثة معينة.
٧- ثم تطرقنا إلى عقود العلاج بشكل عام، ورأينا أن هذه العقود جميعا لها خصوصية وتختلف عن عقود المعاوضات الأخرى، إذ إن مقصد المريض منها جميعًا هو البرء مما يشكو منه، بينما محل العقد في غالب الأحوال هو الكشف والعلاج ونحوه، وليس للمريض في ذلك غرض إلا بقدر ما يقربه من الشفاء. وأن عقد العلاج الطبي في يوم الناس هذا نادرًا ما يكون علاقة مباشرة بين المريض والطبيب، بل هو عقد بين المريض والمستشفى الذي يتعاقد هو مع الأطباء والممرضين. . . إلخ. وكما أن المستشفى يتعاقد مع أطبائه وممرضيه وأخصائيي المختبرات فيه، فكذلك شركة التأمين الصحي فإنها تتعاقد مع مستشفيات متعددة لعلاج المستأمنين لديها.
٨- وسواء عرف المريض ما يشكو منه ورغب في علاجه أم كان يحتاج إلى كشف وتشخيص، فإن عقد العلاج الطبي بين المريض والمستشفى لا يخلو من الجهالة، إذ هو يقول: عالجوني، فيقومون بما اعتادوا عليه ثم تخرج الفاتورة بالمبلغ المطلوب، ولا يتصور أبدًا أن المريض يأتي وهو يعرف ما يريد، فيقول: اعملوا لي تحليل دم وكشفا بالأشعة. . . إلى آخر ذلك! .
عليه فإن عقد العلاج الطبي مع المستشفى وإن كان محله الكشف والتشخيص ووصف الدواء إلا أن الطبيب هو الذي يقرر حجم كل ذلك وثمنه، يعني أن الغرر موجود فيها.
٩- وعقد التأمين الصحي بناء على ذلك ليس كثير الاختلاف عن عقود العلاج الأخرى، وبخاصة عقد العلاج مع المستشفى، إذ إنها جميعًا تربط بين المريض ومؤسسة علاجية، وإن محله الكشف والعلاج.