٢- أما عن حكم هذا التأمين: فقد اتجهت البحوث –بصورة عامة- إلى جوازه، واستند الدكتور محمد علي القري إلى أن النظر الصحيح للتأمين الصحي ينبئ عن أن الغرر فيه ليس بالكثير، كسائر عقود العلاج الطبي، وأن غاية ما يقال فيه إنه عقد جعالة، وهذه الصيغة أجازها جمهرة من العلماء.
وأقام الدكتور الصديق ذلك الجواز على أنه نوع من التأمين الاجتماعي الذي ترعها الدولة، وتتولى إدارته هيئة عامة، وأنه إلزامي بالنسبة للعاملين في الدولة وفي القطاع الخاصة وأرباب المعاشات.
وقال آية الله التسخيري: إن التأمين الصحي وإن احتوى على غرر، إلا أنه ليس من الغرر المنهي عنه، ثم إنه يلبي حاجة اجتماعية ملحة، خصوصًا للطبقات الفقيرة. والمنع منه يشكل حالة حرجة، تلقي بثقلها الكبير على عاتق أفراد المجتمع.
وبمثل هذا قال القاضي مجاهد الإسلام القاسمي.
وقال الدكتور هيثم الخياط: إنه نوع من التعاون على البر والتقوى، بدرء المفاسد عن الأخ المؤمن وحمايته من الشرور، وعونه في تخفيف مغبة هذه الشرور والنكبات إن وقعت، وأنه مطلوب حيث يحقق المبادئ الأساسية التي ترعاها منظمة الصحة العالمية وهي: العدالة، والجودة، والكفاءة، والوقاية.
وقسم الدكتور الألفي التأمين الصحي إلى أنواع خمسة: فمنه الاجتماعي، الذي تقوم به الدولة، ويكون إجباريًا في الغالب، ومنه التجاري أو التعاوني، الذي يلتزم في كل منهما المؤمن بدفع نفقات العلاج إذا مرض المستفيد خلال فترة محددة، ويفترق النوعان في أنه إذا فاضت الاشتراكات عن مصاريف العلاج، فاز بها المساهم في التأمين التجاري، وأعيد توزيعها على المشتركين في التأمين التعاوني، ثم هناك نوع من أنواع التأمين الصحي ما يطلق عليه التبادلي، وهو يقوم على اتفاق جماعة من الناس على الإسهام في نفقات علاج من يمرض منهم أو أصيب خلال فترة محددة، ومنه أيضًا التأمين الصحي المباشر، وهو يكون حين يلتزم المؤمن بعلاج المشترك الذي يمرض خلال الأجل المحدد في العقد.
وانطلاقًا مما أقرته المجامع الإسلامية من ربط بين نوع التأمين وحكمه، فقد رأى العارض أن الوصول إلى حكم التأمين الصحي يقتضي استظهار الأنواع التي أوضحت المجامع حكمها؛ وهي التأمين التجاري، والتأمين التعاوني، والتأمين الاجتماعي والوقوف على الخصائص المميزة لكل منها؛ من حيث الهدف أو العلاقة التي تربط أطرافها، ومدى استقلال كل طرف عن الآخر، ومدى حق كل منهم في تعديل مقدار القسط أو مقدار المزايا التأمينية، ومدى ما يتصف به التأمين من اختيار أو إجبار، ثم إسباغ هذه الخصائص على التأمين الصحي ليأخذ النوع الذي تحققت فيه خصائصه.
وقد انتهى الباحث إلى بيان ما يعد من التأمين الصحي تجاريًا وما يعتبر تعاونيًا أو اجتماعيًا، وأتبع ذلك بنبذة عن التطورات التي طرأت على كل نوع منها، مؤكدًا أن الدول الحديثة تسعى إلى تثبيت أقدامها في هذا النوع من التأمين على أوسع مدى، جريًا على ما تراه نظرية الضمان الاجتماعي – في قمة تطورها- من ضرورة أن يكون أداء خدمات الضمان الاجتماعي، ومنها التأمينات الاجتماعية، عن طريق وسيلة عامة، وأنه لا يجوز إسنادها إلى هيئات خاصة تستهدف الربح بالدرجة الأولى.