إن الحمد لله نحمده ونصلي ونسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عقد العلاج الطبي بشكل عام، أي العقد المعتاد الذي يتعامل به الناس بين المريض والمستشفى، أو بين المريض والطبيب، هذا العقد يختلف عن عقود المعاوضات الأخرى، فأنا عندما أذهب لشراء سيارة ـ على سبيل المثال ـ فإني أعرف بالضبط ما أريد فأبحث عنه وأشتريه من بائعه، أما إذا ذهبت إلى المستشفى وأنا مريض فإني لا أعرف ماذا أريد وإنما لسان حالي يقول: يا أيها المستشفى بع إليَّ ما ترى أنني أحتاج إليه من العلاج، فهو يحدد ما إذا كنت أحتاج إلى فحوص أو تحاليل أو عمليات أو علاج طبيعي أو أدوية وما إلى ذلك، وهذا يعني أن مقصد الإنسان من العقد عندما يشتري سيارة هو نفسه محل التعاقد وهو تلك السيارة المحددة المعروفة للمشتري. أما في العلاج عند الطبيب فإن مقصود المرض هو الشفاء، ولكن محل العقد ليس هو البرء والشفاء، وإنما هي خدمات لا يحددها المشتري وإنما يحددها البائع؛ لأن البرء أمر يصعب أن يكون محلًا لعقد معاوضة، وقد أوردت في بحثي أمثلة على هذا الوضع في العلاج الطبي وغيره، عندما يعجز الناس على جعل ما يريدون محلًا للعقد فإنهم يهرعون إلى أقرب شيء إليه ويجعلونه هو محل التعاقد، من هذا الباب فإن الغرر موجود في كل عقود العلاج الطبي، ولا يزيد الغرر في عقد التأمين الصحي عن الغرر الموجود في عقود العلاج الطبي الأخرى.
ومن جهة أخرى فإن التأمين الصحي مختلف عن أنواع التأمين الأخرى، فالتأمين على الحياة ـ على سبيل المثال ـ تعويض مرتبط بوقوع حادثة هي في علم الغيب وهي الموت، والإنسان لا يكون: إلا حيًا أو ميتًا، وليس بينهما درجة، أما التأمين الصحي في أكثر صوره انتشارًا فإنه عقد رعاية صحية، ولا يكاد الإنسان يستغني خلال مدة العقد عن الرعاية الصحية، لما يصيبه من عوارض المرض وما يحتاج إليه من أنواع العلاج الخفيفة أو الثقيلة التي لا يكاد يسلم منها إنسان، ولذلك فإن الغرر فيه أقل بكثير من الغرر الموجود في عقد التأمين على الحياة، ولا يختلف في درجته عن عقود العلاج الطبي الأخرى، فالمريض عندما يذهب إلى المستشفى فإنه يتعاقد مع مؤسسة هي المستشفى، ولا يرتبط بعقد مباشر مع من يعالجه، والناس يحتاجون إلى التأمين الصحي؛ لأن تكاليف العلاج في يوم الناس هذا، وبخاصة وقد بدأت الخدمات الحكومية تنحسر في أكثر البلدان، هذه التكاليف للعلاج باهظة، وهي تقصم ظهر الإنسان العادي إذا ابتلي بمرض عضال فتأتي على كل مدخراته وثروته وتحمله الديون الكثيرة، ثم إذا قضى عليه مولاه الموت ترك ذرية مشتغلة ذممها بهذه الديون، ولو كان مشتركًا ببرنامج للتأمين الصحي لحصل تشتيت لهذه التكاليف الصحية على مجموع المشتركين في برنامج هو من أرقى أنواع التعاون.