التلقيح الصناعي في التاريخ:
بحث العلماء –قديمًا- في إمكان حمل المرأة بغير ملامسة من الرجال إذا وصل المني بطريقة ما إلى أعضائها التناسلية فكان هذا مستبعدًا جدًا عند الأقدمين، وأثر هذا الحمل والوضع عن الزعيم الديني الهندي-بوذا- فنسجت حول الحمل به ووضعه الأساطير والقصص الخيالية.
أما العلامة ابن خلدون وفلاسفة الإسلام قبله كابن سينا والفارابي وغيرهما أشاروا إلى تخلقات تشابه ما نحن بصدده، فهذا ابن خلدون في مقدمته الشهيرة أشار إلى هذا الموضوع وهو يتحدث عن –الكيمياء- عند الأقدمين.
فقال: (واعتمادًا على ما ذكر ابن سينا والفارابي والطغراني أنه يمكن تخليق إنسان من المني في بيئته الطبيعية) يريد البيئة الطبيعية الرحم.
ثم يقول (وإذا سلمنا له بالإحاطة بأجزائه ونسبته وأطواره وكيفية تخليقه في رحمه وعلم ذلك علمًا محصلًا بتفاصيله حتى لا يشذ منه شيء عن علمه سلمنا له تخليق هذا الإنسان) .
فابن خلدون العالم العربي المسلم يسلم بتخليق الكائن الحي من المني وذلك بعد الإحاطة الدقيقة التامة بأجزاء ونسبة جزئيات البيئة التي تم فيها التخليق ثم يقول: (وأنى له ذلك) وهذا الاستبعاد من ابن خلدون بناء على ما توصل إليه العلم في زمنه، ولذا قال: (لقصور العلوم البشرية) .
وطبعًا إن ابن خلدون وهو يتحدث عن العلوم البشرية في عصره التي هي قاصرة عن التوصل لمعرفة نسب هذه الأجزاء الدقيقة، ولهذا قال: (وليست الاستحالة فيه من جهة الفصول ولا من الطبيعة إنما هو من تعذر الإحاطة وقصور البشر عنها) هـ.
فابن خلدون يقرر أن تخليق الإنسان أو أي حيوان من المني ليس هو أمرًا متعذرًا ومستحيلًا في حد ذاته وإنما المتعذر أن علوم البشر قاصرة عن إيجاد البيئة المناسبة لتخليقه ونموه ومن تهيئة المناخ والبيئة ومن معرفة نسب الجزئيات لتخليق الإنسان من المني خارج الرحم، فسبحان من علم الإنسان ما لم يعلم.
فابن خلدون لا ينسب استحالة تخليق الإنسان من المني إلى الطبيعة التي ركبها الله تعالى فيه وإنما يسلم بنظرية تخليق الإنسان من المني ولكن متى؟ إذا توفرت الدقة في معرفة نسب الجزيئات الصحيحة، تلك الدقة التي توصل إليها العلم الحديث الآن.
وهو يشير بهذا إلى ما نسميه الآن (أطفال الأنابيب) تلك النظرية بل تلك –الحقيقة- التي أصبح في مقدور العلم الحديث أن يهيء البيئة والمناخ الملائم لتخلق الإنسان من المني بعد أن توفرت في هذا العصر الإحاطة والدقة في معرفة نسب الجزيئات الصحيحة.
والقصور ملازم لبشر في كل زمان ومكان، فمرد العلم كله إلى الله تعالى: ذلك أن المادة المستعدة للتخلق والاستحالة من حالة إلى حالة ليست من صنعهم وإنما هي من صنع الله الذي أتقن كل شيء.
ونهاية ما وصلوا العثور على المفردات والجزيئات والمولدات المناسبة ومزج بعضها بنسب مقدرة اقتداء واحتذاء لما أجراه الله في طبائع الأشياء.
كما أن هذه العلوم هي من تعليم الله تعالى وهدايته لخلقه فهذا الذي: {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} وهو الذي {عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ} وهو بكل شيء عليم.