ثم جاء دور العلم الحديث فروت لنا الصحف قصة (أطفال الأنابيب) فقالت تجربة علمية جديدة قام بها أطباء أمريكيون وشدت إليها انتباه الشعب الأمريكي بأسره وتمثلت هذه لتجربة في نقل جنين عمره خمسة أيام من رحم أمه إلى رحم امرأة ثانية حملته تسعة أشهر ثم وضعته، ولأول مرة في التاريخ تلد امرأة استرالية مولود، لقح انطلاقًا من بويضة امرأة ثانية، والقصة الكاملة لهذه التجربة روتها صحيفة (دي باري) الفرنسية فقالت:
قدمت امرأة لم يكشف عن هويتها إلى المركز الطبي في (لونج بيتش) فاستقبلها أحد الأطباء وأعلمها أن كل شيء جاهز للقيام بعملية اللقاح الاصطناعي وفعلًا تمت العملية بسهولة متناهية وبعد خمسة أيام أدرك الأطباء أن اللقاح قد ثبت في رحم المرأة، ومنذ تلك اللحظة أصبحت القصة رائعة وأخذت أبعادًا خيالية فالأطباء المذكورون ينتمون في الواقع إلى مؤسسة أمريكية تسمى (شركة الخصوبة والبحث في علم الوراثة) ومهمتها مكافحة عقم النساء.
أما المرأة التي قدمت لتحمل الجنين فقد كانت أبرمت عقدًا مع هذه الشركة تستلم بمقتضاه مبلغًا شهريًا قدرة (٢٥٠) دولارًا منذ أن اهتم بها الأطباء ومنذ أن بدأوا يفحصونها لمعرفة ما إذا كانت ستصبح امرأة الأنبوب الأولى في العالم.
ثم جاءت المرحلة النهائية من العقد حين جهز الدكتور (جون بوستر) كل أدواته الخاصة وأدخل مسمارًا إلى رحم المرأة وشفط الجنين حيًا وأحاطه بكل عناية ليعرف هذا الجنين شيئًا لم يعشه أي جنين آخر ألا وهو رحم ثان غير رحم أمه الأولى، وفي الواقع فإن العملية كانت تهدف إلى تمكين امرأة ثانية محرومة من الحمل الذي طالما تمنته وهكذا تمت إعادة زرع الجنين في رحمها وبعد (٢٨) أسبوعًا بالضبط تمت الولادة المنتظرة بواسطة عملية قيصرية.
وكانت المرأة التي تبلغ الثلاثين من عمرها سعيدة بمولودها الذي لن يعرف مطلقًا هوية أمه الأولى.
وكان المولود تامًا جميلًا لا يختلف عن غيره من المواليد، ومنذ ذلك الوقت عرفت هذه التجربة انتشارًا واسعًا في أنحاء العالم وأتاحت الفرصة لمكافحة العقم المنتشر والذي يرجع سببه إلى انسداد القنوات المؤدية إلى الرحم، أما إذا كان المبيض لا يؤدي مهمته فإنه ليس بالإمكان حتمًا أخذ البويضة لتلقيحها خارج الرحم ولابد إذًا من إيجاد طريقة جديدة"وهكذا برزت ممارسات لاقت احتجاجات عديدة وسميت –بمؤاجرات البطون- وتتمثل هذه الطريقة في إجراء تلقيح صناعي لامرأة تؤجر رحمها من زوج المرأة العاقر فتحمل الأولى ثم تضع مولودًا تدفعه إلى أمه بموجب عقد تم إبرامه من قبل، وبهذه الطريقة يباع الطفل إلى الزوجة العاقر لينسب إليها بالتبني، وحقق الأستراليون اكتشافًا جديدًا جنبهم مشاكل العقود حين قاموا بأخذ –بيضة- من امرأة ولقحوها داخل أنبوب بواسطة منويات زوج امرأة عاقر ثم أعادوا زرعها في رحم الزوجة العاقر.
وجاء الأمريكيون أخيرًا فنهجوا طريقة لا تختلف كثيرًا عن طريقة الأستراليين إلا أنه بدلًا من أن يجرى التلقيح داخل الأنبوب قاموا به في رحم الأم الأولى ثم أعادوا زرعه في رحم الأم الثانية وفي الحالتين تمثل هذه الاكتشافات ثورة في عالم الوراثات وذلك أن الأم صاحبة البيضة لم تعد هي الأم الوارثة بل أصبحت التي تحمل الطفل وتلده فقط هي أمه الوارثة.