للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا استبعدنا من الاعتبار محظور انكشاف المرأة لمصلحة (الولادة) المشروعة على ما سلف بيانه، لم يكن في هذه الطريقة الأولى من التلقيح الاصطناعي أي مانع شرعي يوجب حظرها، فيمكن إعلان جوازها شرعًا عندما يحتاج إليها لتحمل الزوجة من زوجها.

والشيء الوحيد الذي يجب أن يلحظ وينبه إليه هنا، وفي كل مقام علاجي آخر هو أنه كلما وجدت في المكان امرأة عالمة مختصة كطبيبة أو قابلة مأذونة، قادرة على تنفيذ المعالجة التي تحتاج إلى انكشاف المرأة على من يعالجها تنفيذًا صحيحًا سلميًا بالنظر الطبي، لم يجز شرعًا أن يعهد إلى طبيب من الرجال ليقوم بهذه المعالجة.

هذا ما يقرره فقهاء الشريعة بوجه عام ويعللونه بأن انكشاف الجنس على نظيره أهون وأقل محذورًا، وهذا أمر معقول جدًا في نظام يقوم على فكرة الحلال والحرام كالإسلام ومن القواعد الفقهية في حكم الضرورات أن "الضرورة تقدر بقدرها".

وهذا أمر ذو بال يجب التنبه إليه، ومعظم الناس عنه غافلون اليوم لاسيما في الولادة بالمستشفيات.

٢ - الحالة الثانية: بين زوجة ومتبرع بنطفة:

هذه الحالة تمارسها اليوم المصارف المنوية في العالم الغربي على أوسع نطاق إذ يرون فيها حلًا لمشكلة الأمومة حينما يكون الزوج عقيمًا، وقد أقرها النظام في العديد من الولايات المتحدة الأمريكية، كما أقرتها فرنسا، واعتبروا الأطفال الذين يتولدون منها أولادًا شرعيين للزوجين.

أما ألمانيا فيعتبرون أولادًا شرعيين أيضًا ما لم يطعن في شرعيتهم ذو مصلحة في نفيها، فتسلب عنهم الشرعية، وقد يكون هذا الطاعن في الشرعية الولد نفسه حينما يكبر ويعلم أن المتبرع لأمه بالنطفة ذو غنى أو جاه ونفوذ، فيطلب إلحاق نسبه به.

وأما في بريطانيا فهذا التلقيح بنطفة متبرع لزوجة مسموح به قانونًا، ولكنها لا تعتبر الأطفال منه شرعيين، وهناك من دول أوروبية من تحرمه وتعتبره ضربًا من الزنى كسويسرا.

أما بالنظر الإسلامي فلاشك في تحريمه قطعًا، ففي شريعة الإسلام يعتبر نسب الولد لأبيه، ويستدل الفقهاء على ذلك بأدلة منها قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: آية ٢٣٣] .

وقوله تعالى في إبطال التبني: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب آية ٤، ٥] .

فقد اعتبر الأب هو المولود له – فهو صاحب حق النسب الذي يدعى الولد إليه، أي ينسب.

ففي هذه الحالة الثانية من التلقيح الداخلي خلط بين الأنساب إذ تكون البزرة الذكرية من رجل، والزوجية التي سيتبعها النسب هي لآخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>