وإذا كان للإنسان حق الانتفاع بما منحه الله إياه، فإن هذا الانتفاع الممنوح قد وضع له مانحه (جل شأنه) الإطار الذي يحقق الانتفاع به على الوجه الأكمل، في إطار أمن الجماعة ومصلحة كل فرد من أفرادها.
وهذا الإطار حدده وبين معالمه رسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، رسولاً بعد رسول إلى أن ختم الله هذه الرسالات برسالة محمد صلى الله عليه وسلم الذي جاء مصدقاً لما بين يديه من الكتاب، ومهيمناً عليه، قال تعالى مخاطباً رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}[الآية ٤٨ من سورة المائدة] وقد جاءت هذه الرسالة كاملة تامة، قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [الآية ٣ من سورة المائدة) .
ففرقت شريعة الإسلامي بين الحق والباطل، وأعطت كل ذي حق حقه، ومن أجل مصالح الناس حرمت أشياء وأباحت أشياء، كما نوعت حق الانتفاع بتنوع الشيء الممنوح والمسخر، فمن المنتفع به ما يكون الانتفاع به باستهلاكه.. ومنه ما يكون باستعماله.. ومنه ... ونظمت الحقوق في كل ذلك في حال الاختيار ... وكذا في حال الضرورة ... في تنسيق تام وتنظيم محكم يحقق الخير للبشرية جمعاء، ويضمن لها السعادة في الدارين.
وإذا كانت الشريعة الإسلامية قد وضعت الضوابط لحدود الانتفاع بما خلق الله تعالى ومعرفة ما يحل ويحرم من التصرفات في كل ما منحنا الله جل شأنه إياه، فإن أول الأشياء الممنوحة لنا، والمسخرة لمصلحتنا، هذا الجسم الإنساني الذي يعايشنا ويصاحبنا منذ بدء وجودنا ـ لحظة لحظة ـ حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
ولقد أحاط المشرع الحكيم هذا الكائن المكرم بكل ما يحفظه من كل سوء، ويدرأ عنه كل الشرور، حتى يحقق الأهداف المنوطة به، ويحقق الحكمة من إيجاده وخلقه.
فشرع له ما يحفظ له دينه، ونفسه، وعقله، وعرضه، وماله، أي ما يحفظ عليه كل مقومات الحياة، وكل مقومات العطاء والتقدم، وكل مقومات المسيرة المؤمنة الآمنة المطمئنة حتى يرى نتيجة عمله {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الآية ٧، ٨ من سورة الزلزلة] .
والذي يعنينا إبرازه في هذا المبحث هو أن نذكر بعضاً من الآيات والأحاديث التي تضبط علاقتنا بالجسم الإنساني، سواء أكان جسم الإنسان نفسه، أو جسم غيره، ثم نبين بعد ذلك ما يصلح وما يحرم من الانتفاع به، وبالله التوفيق.