للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- النهي عن قتل الرهبان:

- كما روي عن ابن عباس أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيوشه قال: ((اخرجوا باسم الله تعالى تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع)) رواه أحمد..

والنهي عن قتل كل أولئك هو احترام للنفس الإنسانية التي لا تقدم على الإضرار بغيرها أو التي لا يتأتى منها الإضرار، النفس الإنسانية التي تمشت مع الفطرة السليمة والطبيعة المستقيمة فلم تحارب الله ورسوله، ولم تؤازر المحاربين لله ولرسوله واكتفت بمسيرة حياتها في أمن ... وهذا ما ينشده المشرع الكريم ويحرص عليه ويهيئ كل الظروف لإنمائه حتى يحس الناس بالأمن، وتزكو في عقولهم ومداركهم الرغبة في معرفة الحق جل شأنه، فيؤمنون به عن قناعة تامة ورؤية واضحة جلية ... فيعم الخير رحابهم، وتزكو وتتفتح براعمه في كل مكان.

ومن الطبيعي، أن يعاقب الخارج على هذه الفطرة، والمقلق للمجتمع والمهدد للأمن والمحارب لله ولرسوله، والمعرض لمسيرة الشريعة التي أنزلها الله تعالى على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم خاتمة للرسالات السماوية، ومصدقة لما بين يديها من الشرائع السابقة. وعقاب هذا الناد المشارك في الحرب، أو المؤازر، أو المخطط لها هو من جنس ما أقدم عليه، فقد أقدم يبغي قتلاً للمؤمنين وصد الدعوة لله فارتدت نيته إليه، وتحقق قصده في نفسه هو، سواء كان رجلاً أو امرأة أو شيخاً أو أجيراً أو كاهناً ... لأنه بخروجه محارباً أباح دمه وأهدر حرمته.

وتظهر عالمية الشريعة الإسلامية، وسماحتها، وسعة أفقها في هذا المجال وفي غيره بصورة واضحة حينما تراجع نصوص ما جاء عن الحضارات الأخرى ـ كاليونانية والرومانية، بل وحتى في كتب بعض الديانات ... التي تجعل دم غير المؤمنين بها في كل الأحوال وفي كل الأزمان (١) هدراً، وتجعل أموالهم مباحة، وتجعل شريعتهم دائماً تؤول إلى ما يحقق له مصلحة ولو على حساب أرواح وأموال غير المنتمين إلى شريعتهم.

فالنفس الإنسانية مكرمة، والنفس الإنسانية معصومة، ومحقونة الدم، ولا تنال إلا بحق، والنفس الإنسانية يحرم الاعتداء عليها، أو الإضرار بها، إلا إذا أخلت بما وجب عليها، وخرجت عن إطار الشرع، وعاقت مسيرة الحياة.


(١) راجع كتاب العلاقات الدولية في الإسلام للأستاذ الدكتور/ حسن الشاذلي

<<  <  ج: ص:  >  >>