- جناية الإنسان على نفسه من أدق أنواع الجنايات وأعقدها تركيباً، وأعمقها دوافع، وأكثرها تعبيراً عن الظروف الاجتماعية التي تحيط بالجاني، وتضطره إلى أن يقدم على الجناية على أعز الكائنات عليه وأحب المخلوقات إليه، وأولاها ظفراً بحرصه ورعايته، وامتداداً لآماله ...
وقد كانت هذه الجناية وستظل مقياساً لما عليه المجتمع من دأب في رعاية أفراده، وحدب على حل مشكلاتهم، وتفاعل مع تطورات الأزمنة وتعاقب التطورات ... ، وتعبيراً عن الآفاق الصحيحة السليمة التي تظلل الدولة من جميع نواحي اختصاصاتها وأنشطتها، ثقافية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية ... إذ سلامة كل ذلك يعمل بدافعية وجدية على سلامة المستوى الفكري للفرد، وإذا سلم هذا المستوى وصح كان الفرد راضياً عن نفسه وعن مجتمعه ... وإذا رضي عن ذلك حرص على البقاء حرصاً لا يعادله حرص، ودأب على حماية نفسه دأباً لا يعادله دأب، وصمد للتيارات صموداً لا يعرف الشك ولا التردد ولا اليأس ...
والشريعة الإسلامية جاءت بالقواعد الأساسية، والمبادئ المستقرة الثابتة التي تدعم مسيرة الحياة جميعها، وتوطد أركانها، وترسي بين جوانبها معاني المحبة والعدالة والتسامح والرضا، وتعمل على حماية الإنسان وحماية حقوقه في إطار تكافل اجتماعي سليم، وتكافل اقتصادي هادف وحماية للمقدسات والحقوق ورعاية للمصالح جميعاً، ضرورية كانت أو حاجية أو تحسينية، كانت تخص الفرد أو الأسرة أو الجماعة أو الدولة، كانت تخص العقلاء أو ما خلق الله من أجل العقلاء من كائنات حية، أو جمادات أو نباتات ...