التداوي من الأمراض أمر مطلوب شرعاً، كما نص عليه المحققون من علماء الشريعة استنباطاً من نصوص الكتاب والسنة، ولما كان التداوي تارة يكون بتناول شيء مباح، وتارة يكون بتناول شيء قد حرم الله تناوله ... وتارة يكون بالجراحة، وتارة يكون بالكي ... فإن الفقهاء قد بينوا حكم الشرع في كل ذلك، ونعرض فيما يلي ما يكشف لنا عن هذا الحكم، متوخين عرض نصوص الكتاب فالسنة، ثم آراء العلماء ثم الترجيع في مواطن الاختلاف.
أ: النصوص من الكتاب الكريم:
أرست بعض الآيات الكريمة القواعد التي تحفظ على النفس البشرية حياتها، والتي تنهى عن تعريضها لأي هلاك، والتي توجب على الإنسان الأخذ بكل الأسباب التي تحقق للنفس البشرية صحتها.
ومن ذلك:
قال تعالى في النهي عن قتل النفس:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}[النساء: ٢٩] وقال تعالى في النهي عن تعريضها للهلاك: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[البقرة: ١٩٥] . وفي اتخاذ الأسباب للوصول إلى حال القوة والصحة نورد قصتين:
ففي قصة أيوب عليه السلام لما أصابه السقم وأعياه المرض فنادى ربه:{أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} فأمره الله تعالى بما كان سبباً في شفائه، وهو القادر على أن يشفيه دون سبب.
قال تعالى:{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ}(١){وعذاب اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب}[الآيتان ٤١، ٤٢ من سورة ص] .
فقد أمره جل شأنه بالركض ـ وهو الدفع بالرجل ـ فركض فنبعت عين ماء فاغتسل به، فذهب الداء من ظاهره، ثم شرب منه فذهب الداء من باطنه، وعاد أيوب عليه السلام سليماً معافى من كل داء.
(١) النصب: الشر والبلاء، وقد قيل في معنى {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} أي ما يلحقه من وسوسته لا غير، والله أعلم، ذكره النحاس. وقيل: النصب ما أصابه في بدنه، والعذاب ما أصابه في ماله، وفيه بعد. القرطبي: ١٥/ ٢٠٨.