ويعلق الشوكاني في نيل الأوطار على هذه الأحاديث بقوله:(وفي أحاديث الباب كلها إثبات الأسباب، وأن ذلك لا ينافي التوكل على الله لمن اعتقد أنها بإذن الله، وبتقديره، وأنها لا تنجح بذواتها، بل بما قدره الله فيها، وأن الدواء قد ينقلب داء إذا قدر الله ذلك، وإليه الإشارة في حديث جابر، حيث قال: ((بإذن الله تعالى)) فمدار ذلك كله على تقدير الله وإرادته، والتداوي لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب، وكذلك تجنب المهلكات والدعاء بالعافية ودفع المضار وغير ذلك.
وفي قوله:((جهله من جهله)) ـ في حديث أسامة المتقدم ـ فيه دليل على أنه لا بأس بالتداوي لمن كان به داء قد اعترف الأطباء بأنه لا دواء له، وأقروا بالعجز عنه (١) .
وفي قوله صلى الله عليه وسلم:((هي من قدر الله)) ـ في حديث أبي خزامة المتقدم ـ أي لا مخالفة بينهما، لأن الله هو الذي خلق تلك الأسباب وجعل لها خاصية في الشفاء) .
ويقول الشوكاني في الرد على من قال بالتوكل على الله في دفع الداء وعدم التداوي، قال بعد أن أورد آراء العلماء في فهم الحديث الذي روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب، هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون)) ..
قال:(والحق أن من وثق بالله وأيقن أن قضاءه عليه ماض لم يقدح في توكله تعاطيه الأسباب اتباعاً لسنته، وسنة رسوله، فقد ظاهر صلى الله عليه وسلم بين درعين، وليس على رأسه المغفر، وأقعد الرماة على فم الشعب، وخندق حول المدينة، وأذن في الهجرة إلى الحبشة وإلى المدينة، وهاجر هو، وتعاطى أسباب الأكل والشرب، وادخر لأهله قوته، ولم ينتظر أن ينزل عليه من السماء، وهو كان أحق الخلق أن يحصل له ذلك، وقال للذي سأله: أيعقل ناقته أو يتوكل: ((اعقلها وتوكل)) . فأشار إلى أن الاحتراز لا يمنع التوكل) .