وتستمر د. نعمت في روايتها وتقول: فرحنا بهذا العرض، وحاولنا أن نخفض هذا المبلغ لأنه ضخم، وقد لا يكون متوفراً، كما أنه مبالغ فيه ولا سيما وإن هناك عروضاً أقل من هذا الرقم لمتبرعين بكليتهم.
ولكن المتبرع أجاب: إن هذا المبلغ لم يضعه اعتباطاً ولكنه موضوع تحت شروط، أن هذا المبلغ لن يضعه في جيبه.. إن هذا المبلغ مطلوب ... وإلا دخل السجن؟ وقال: إنني أعمل سائقاً لسيارة أجرة أرتزق منها، وأكسب منها قوتي وقوت أولادي وزوجتي، وبينما كنت أقود سيارتي الأجرة فوجئت أمامي بأحد المارة يعبر الطريق.
صدمته بسيارتي صدمة قوية.. وتم نقله إلى المستشفى وهناك لفظ أنفاسه ... ودخلت السجن. ورفعت ضدي قضية، وكسب أهل المتوفى القضية التي حكمت بدفع تعويض قدره ٣٠ ألف جنيه، وكان أمامي حلان لا ثالث لهما. إما أن أدفع التعويض أو السجن ... وأنا عائل أسرتي الوحيد، وقد قفز أمامي الحل ... بأن أبيع الكلية لأي مريض مقابل هذا المبلغ.. وإلى هنا. وقد تركت القصة أثراً مؤلماً وكان المبرر واضحاً.
ورضخت الأسرة للثمن من منطق واحد، وهو أن هذا مبلغ يحل مشكلتين ويضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، إننا بهذا المبلغ ننقذ أسرة من التشرد. وننقذ إنساناً من السجن، وننقذ مريضاً من حالة الموت.
وتم الاتفاق هكذا وقبل أن نبدأ أول خطوة لتناسق الأنسجة والاختبارات بين المريض وواهب الكلية، فوجئت بالسائق وقد جاءني في الموعد المحدد، وقد جر خلفه زوجته وقال: نسيت أقول لكم: إن الذي سوف يتبرع بالكلية هو زوجتي وليس أنا ... لأني ضعيف.
وتعلو المفاجأة وجوه الحاضرين ... وتستمر الدكتورة نعمت قائلة: وللأسف فإن زوجته كانت نحيلة الجسم ضعيفة البنيان، وكان هو مكتمل الصحة والعافية ذا بنيان ضخم لا يتجاوز الـ ٢٨ ربيعاً ... ورفضنا طبعاً لأن كل العناصر الإنسانية هنا فقدت قيمتها، وعادت د. نعمت إلى دراستها مرة أخرى.. في البحث عن متطوع في (سوق بيع الأعضاء البشرية) .