للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجاءنا عرض آخر من متطوع آخر، قال: إنه مستعد للتبرع بكليته. وكان شاباً في عز شبابه، وبدأنا الحوار الحزين والمبادلة.. والمساومة.. قلنا له: وكم تساوي؟ ويدور الفصال، ولكن هذا الشاب كان مجاملاً ... لطيفاً، أبدى استعداداً طيباً للتبرع ولم يفاصل في ثمن بيع كليته.. وقد عطفنا عليه جدا.. وكانت له مطالب تبدو ساذجة جداً، أنه يود أن يأكل جيداً؛ لأن صحته معتلة وضعيفة، وأنه في حاجة إلى أكل جيد وأنه يشتهي أطباق الكباب والكفتة، وفعلاً تعاطفنا حول طلبه وقدمنا له كل مطالبه، وقام مع الأيام باستنزافنا وطلب منا نقوداً للسفر إلى أهله، بطول مصر وعرضها لتوديع أهله.. وتبين لنا أنه ينتمي إلى أسرة عريضة النسب، وبلغ الأمر أنه طلب تليفزيوناً ملوناً لأسرته لأنها محرومة من التليفزيون. وجاء وقت الجد ... وطلبناه لبدء التحاليل، وتحليل الأنسجة، ومهمة المعامل، وعند الانتهاء من كل هذا.. فوجئنا بأن كل التحاليل سليمة والأنسجة مطابقة والحمد لله. وعندما بدأنا إجراء الأشعة.. فوجئنا بأن إحدى كليتيه في حالة ضمور ... والكلية الأخرى سليمة ... وإنسانياً..فإنه لا ينبغي أن يتبرع هذا المريض بكليته لأنه فعلاً يعيش على كلية واحدة.

واعتذرنا له.. ونحن آسفون بعد رحلة طويلة من التحاليل المكلفة.. وعطفنا عليه؛ لأنه فوجئ بمشكلته المرضية هذه، وطلبنا من الطبيب عدم إخباره بهذه المأساة التي ظهرت في حياته، وتبين لنا في النهاية أن هذا الإنسان يعلم بكل شيء وأنه نصاب وأنه يتخذها تجارة له في ابتزاز الناس المحتاجين إلى من يتبرع بكليته ... ولكنه يظل يبتز الناس لمدة ٦ شهور كاملة ... إلى أن يجيء موعد إجراء الأشعة باعتباره آخر إجراء يتم قبل الجراحة، وهنا يكون قد حصل على ما يريده من أموال وهدايا ثم يدعي أنه جاهز لولا مشكلته ...

وأصبح هذا الشاب من أشهر النصابين في (سوق بيع قطع الإنسان البشرية) ... في أحد مستشفيات مصر الجديدة.. والحكاية لا تنتهي.

<<  <  ج: ص:  >  >>