لقد جاءني أحد الأطباء - هكذا يقول د. رشاد برسوم - وكان مصاباً بفشل كلوي، وقد سحب خلفه أحد المتطوعين المزمع بيع كليته، وقال لي: إن هذا المتبرع سوف يحصل على نصيبه وأرجو أن تسرع بالموافقة، ولكني رفضت (الكلام ما زال للدكتور رشاد) وقلت له: إنني أرفض إجراء جراحة تتم على أساس بيع الكلية، هل لك أشقاء؟ ... أجاب: نعم. قلت: إن المفروض أن الأشقاء يتبرعون بكلاويهم لأشقائهم بدون مقابل.
(إننا نعيش في مستنقع ... ساعدونا للخروج منه) .. دوت هذه الجملة في قاعة المؤتمرات الكبرى، في مستشفى جامعة عين شمس التخصصي، وسط جمع من الأطباء، يمثلون الصفوة في تخصصات أمراض الكلى، وجراحات الكلى وزراعة الأعضاء، والمعامل، وتحليل الأنسجة من أساتذة الجامعات.
شدت هذه الجملة، التي بدأ بها د. عبد المنعم حسب الله أستاذ الأمراض الباطنية والكلى بطب القاهرة حديثه في جمع الأطباء، واستمر في كلمته يقول: إننا أيها السادة أمام مشكلة إنسانية اجتماعية معقدة جوانبها الإنسانية دامية، إننا نعيش كل يوم دراما عنيفة.. وحواراً لم يسمعه بشر، ما بين مريض فقد كليتيه، وفشلتا في أداء مهمتيهما ومعرض للموت، وبين إنسان يملك كليتين سليمتين وفي كامل صحته ومستعد لبيع واحدة منهما، إن الحوار غريب ومؤلم وحزين، إن المريض يقول: إنه لا يملك سوى ٢٠ ألف جنيه سوف يقدمها هبة، وصاحب الكلية السليمة يقول للمريض: إن هذا المبلغ لا يكفي، ويتطور الحوار حتى يصل إلى.. وهنا انفجر الطبيب صائحاً هائجاً تأثراً ... لماذا تحكم علي بالإعدام ببطء؟ لماذا تجعلني أندم عمري كله، وأعيش مذلولاً لشقيقي ولزوجته وأولاده؟