للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الخامس عشر

عقوبة من يعتدي على نفسه

عقوبة الجناية على النفس أو على ما دونها

إذا جنى الإنسان على نفسه جناية أدت إلى إزهاق روحه، أو إلى بتر جزء من جسده فإن الفقه الإسلامي يبين لنا عقوبة هذه الجناية في كلتا الحالتين، أن العقوبة في شريعة الله تعالى نوعان: عقوبة أخروية، وعقوبة دنيوية، ونوضح فيما يلي هاتين العقوبتين بإيجاز:

العقوبة الأخروية في الجناية على النفس أو ما دونها:

العقوبة دائماً تكون حيث تكون الجناية عمداً، فإن وقعت الجناية خطأ، فالخطأ مرفوع إثمه، وآية ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عفوت عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) .

أما إن كانت جناية الإنسان على نفسه عمداً، فإن أدت إلى زهوق روحه ـ حالاً أو مالاً ـ كانت عقوبتها: الخلود في النار أبداً، وآية ذلك ما روي عن أبي هريرة أنه قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً. ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالداً مخلداً أبداً)) (١) وقيد التأبيد هذا لم يرد في العقوبة الأخروية لقاتل غيره التي نص عليها قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (٢)

وأما إن كانت الجناية على جزء من نفسه عمداً، فإنه يكون آثماً معذباً في الآخرة، ولكن مدة عذابه فيها وكيفيته موكولة إلى ربه جل شأنه.

أما أنه آثم، فلأنه فعل أمراً نهاه المشرع الحكيم عن فعله فقال: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وأما أنه معذب في الآخرة، فلأن الله تعالى يقول: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} .

يقول ابن كثير: (ومن يتعاطى ما نهاه الله عنه معتدياً فيه ظالماً في تعاطيه، أي عالماً بتحريمه متجاسراً على انتهاكه، فسوف نصليه ناراً.


(١) رواه البخاري ومسلم، وقد بيناه في كتابنا (الجنايات في الفقه الإسلامي، ص ١٣٧
(٢) الآية ٩٣ من سورة النساء

<<  <  ج: ص:  >  >>