للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تناول الفقهاء المجتهدون موضوع النفس والأطراف والتعويض عنها حال الاعتداء عليها، ونصت الآيات والأحاديث على مشروعية الدية والقصاص وإرش الجراحات حال العدوان. ومما قاله الفقهاء في هذا المجال: ضمان النفس والأطراف بالمال في حالة الخطأ فإنه ثبت بالنص من غير أن يعقل فيه المعنى؛ لأن الآدمي مالك مبتذل لما سواه، والمال مملوك مبتذل فلا يتماثلان.

وإن ضمان النفس والأطراف بالمال غير مدرك بالعقل؛ إذ لا مماثلة بين الآدمي المالك المبتذل وبين المال والمملوك المبتذل، وإنما شرع الله تعالى الدية لئلا تهدر النفس المحترمة مجاناً (النسفي/ كشف الأسرار: جـ ١ / ٨٤) وكان موجب الجناية عمداً على النفس والأطراف هو القصاص.

قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: ١٧٩] ، ويمكن العفو عن ذلك كله {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: ٢٣٧] وقال سبحانه: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: ٣٣] ، وأما جناية الخطأ فموجبها الدية وهي تعويض مالي لتفويت منفعة الجسم أو العضو، وهو محض حق الإنسان ولذلك تدخل تحت الولاية عفوا وإسقاطاً.

هذا بخلاف جريمة الزنا فإن العقوبة عليها محض حق الله تعالى ... لذلك لا تقبل بعد ثبوتها الإسقاط ولا العفو ولا الصلح على مال، وكذلك الشأن في السرقة وسائر الحدود.

ولما كان التعويض المالي عن القتل الخطأ يقرر ابتداء ... وفي القتل العمد مقرر صلحاً قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: ٩٢] .

وقال عليه الصلاة والسلام: ((في النفس مائة من الإبل)) وروي أنه عليه الصلاة والسلام ((قضى في قتيل بعشرة آلاف درهم)) الاختيار: ج٤/ ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>