للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا ودية النفس أو العضو ليست ثمناً بحال من الأحوال؛ لأنها إنما شرعت للنفس عن الهدر، لا ثمناً لها ولذلك قدرها الشرع ولم يترك تقديرها ابتداء للعباد، ومجمل القول: إن لله تعالى في النفس حق الاستعباد، كما أن للعبد حق الاستمتاع، وحق العبد غالب، لذلك يجري فيه الإرث، ويصح الاعتياض عنه بالمال بطريق الصلح.

(كشف الاسرار: ج٢/ ١٦١)

وقال السرخسي في المبسوط: لما أوجب الله تعالى حق العبد في النفس والأطراف، لذلك عمل فيه إسقاطه، ويورث عنه ويسقط بإذنه (جـ٢٦/ ٦١) .

وقال السمرقندي في التحفة: لو عفا المجروح عن الجراحة ثما مات منه صح عفوه استحساناً (هـ جـ٢/ ١٢٨) ، وهذه أمارة أن التعويض المقدر هو حق العبد، فكان له ولاية المطالبة كما كان له ولاية الإسقاط والصلح.

وبسط الكاساني القول في المسألة وزادها إيضاحاً، بل وكاد يلامس القضية بالذات من خلال تعريفه الأحكام في عبارته التي جاء فيها: ولو قال: اقطع يدي فقطع لا شيء عليه بالإجماع، ووجه هذا الحكم بقوله: لأن الأطراف يسلك فيها مسلك الأموال!! وعصمة الأموال تثبت حقاً له (للإنسان) . فكانت محتملة للسقوط بالإباحة والإذن كما لو قال له: أتلف مالي، فأتلفه. قلت: ولا يخلو فعلهما حال القطع من الإثم لكل من الآمر والقاطع؛ لأنهما اشتركا في تنفيذ فعل محظور شرعا (البدائع: ج٧/ ٢٣٦) ، وجاء في مشروعية القصاص ما نصه:

هذه العقوبة جزاء الفعل في الأصل، وأجزية الأفعال تجب في حق الله تعالى، ولكن لما كان وجوبها بطريقة المماثلة عرفنا أن معنى الحق راجح فيها، وأن وجوبها للجبران بحسب الإمكان، كما وقعت الإشارة إليه في قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: ١٧٩] .

ولهذا جرى فيه الإرث، وصح العفو، والاعتياض بطريقة الصلح بالمال، كما في حقوق العباد المحضة كبدل المتلفات (أصول السرخسي جـ٢/ ٢٩٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>