قال الشاطبي: لما كانت المصالح الدنيوية لا يتخلص كونها مصالح محضة، وإنما تنمو على مقتضى ما غلب، فإن كانت المصلحة هي الغالبة عند مناظرتها مع المفسدة في حكم الاعتبار فهي مقصودة شرعاً، ولتحصيلها وقع الطلب على العباد. (اهـ الموافقات: ١/ ٢٧) وقريب من ذلك ما ذكره العز بن عبد السلام في قواعده؛ حيث قال: وما يمكن تحصيل مصلحته إلا بإفساد بعضه كقطع اليد المتآكلة حفظاً للروح إذا كان الغالب السلامة فإنه يجوز قطعها (قواعد الأحكام: جـ١/ ٩٢)
وهكذا كان الحكم صراحة في جواز قطع عضو إنسان لضمان استمرار سلامة سائر البدن، ونظيره شق جوف المرأة عن الجنين المرجو حياته؛ لأن حفظ حياة الجنين أعظم مصلحة من مفسدة انتهاك حرمة أمه. (القواعد: ١/١٠٢) .
فالمصلحة ما دامت هي المقصودة من التصرف لا تمنع بمجرد وقوع المفسدة ما دام أن المصلحة هي الراجحة، وهذا ما لا يخفى على عاقل.
ويقول العز بن عبد السلام:(وربما كانت أسباب المصالح مفاسد، فيؤمر بها ... لا لكونها مفاسد، بل لكونها مؤدية إلى المصالح الحقيقة)(القواعد ج١/١٤) .
والشريعة الإسلامية إنما تهدف بالجملة إلى تحقيق المصالح ودرء المفاسد، وحيثما تكون المصلحة راجحة فثمة شرع الله، هذا والنفس البشرية معصومة ومحترمة، لذلك تعلق بها حق الله تعالى حتى لا يبلغ بها أصحابها في وقت من الأوقات أو في بلد من البلدان إلى مرتبة السلعة تباع وتشترى ولا يخفى ما في ذلك من إهدار لآدمية الإنسان وهدم لبنيان الرب كما جاء في الأثر:(الجسم بنيان الرب ملعون من هدمه) أي: ظلماً وعدواناً من غير وجه حق ... ومما تقدم نخلص إلى القول بأن الإيصاء بعضو من الأعضاء في حال الحياة على أن يفصل من الموصي بعد الوفاة لينتفع به آخر تتوقف حياته على ... أو يحول دون فقدان حاسة من حواسه كالعين أو سواها لا نرى أن قواعد الشريعة تحول دون مشروعيته والله أعلم. على أن يكون المتبرع كامل الأهلية، وإن كان في هذا التصرف انتهاك لحرمة الجسم بعد الموت، ولا يخفى ما في ذلك من مفسدة ظاهرة، لكن المصلحة المترتبة عليه من زرع ذلك العضو في جسم إنسان آخر واستمرار أدائه وظيفته التي خلق من أجلها مصلحة راجحة.