للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يقال: إن هناك أدلة تعارض جواز تشريح جثة الميت أو نقل عضو من أعضائه لحي ينتفع، بحجة أن الشريعة الإسلامية كرمت الآدمي وحثت على إكرامه وأمرت بعدم إيذائه؛ لقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} إلى آخر الآية ٧٠ من سورة الإسراء، وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود على شرط مسلم والنسائي عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بسند صحيح: ((كسر عظم الميت ككسر عظم الحي)) ، يعني في الحرمة، وقوله أيضاً فيما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: ((أذى المؤمن في موته كأذاه في حياته)) ؛ إذ إن المقصود من الآية والحديثين هو تكريم الميت وعدم إهانته أو التمثيل به. كما يدل على ذلك سبب ورود حديث النهي عن كسر عظم الميت، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رأى حفاراً يكسر عظماً لميت بلا سبب مشروع فقال له: ((كسر عظم الميت ككسر عظم الحي)) . أما ما نحن بصدده فلا يقصد به الإهانة، وإنما يقصد به إنقاذ حياة إنسان أو سلامة عضوه، وهذا المقصود يحمل معنى تكريم الإنسان، لا إهانته، وبهذا الفهم الواعي أجاز العلماء السابقون تشريح جثة الميت لغرض مشروع؛ كإخراج مال ابتلعه الميت أو إخراج مولود حي من جوف امرأة ماتت.

هذا وإن لجنة الفتوى تنبه إلى أن جواز النقل أو التشريح يجب أن يكون مقيداً بالشروط الآتية، وذلك لحفظ كرامة الميت ولئلا يتخذ للعبث والإهانة:

١- أن تكون هناك موافقة خطية من المتبرع في حياته ثم موافقة أحد أبويه أو وليه بعد وفاته، أو موافقة ولي الأمر المسلم إذا كان المتوفى مجهول الهوية.

٢- أن يكون المتبرع له محتاجاً أو مضطراً إلى العضو المتبرع به، وأن تتوقف حياة المنقول له على ذلك العضو، أو تتوقف سلامة أحد أجهزة الجسم عليه، وذلك بتقرير من لجنة طبية موثوقة في دينها وعلمها وخبرتها.

٣- إن كان المنقول منه العضو أو الدم حيّا فيشترط ألا يقع النقل على عضو أساسي للحياة، إذا كان هذا النقل قد يؤدي لوفاة المتبرع، ولو كان ذلك بموافقته.

٤- ألا يحدث النقل تشويها في جثة المتبرع.

٥- لا يجوز أن يتم التبرع مقابل بدل مادي أو بقصد الربح.

هذا وإن اللجنة تذكر بأنه لابد من الاحتياط والحذر في ذلك (أي في التشريح أو نقل الأعضاء من حي إلى حي، أو من ميت إلى حي، أو نقل الدم من حي إلى آخر) حتى لا يتوسع فيه الناس بلا مبالاة، وليقتصر فيه على قدر الضرورة؛ إذ هي علة الحكم الذي يدور معها وجوداً وعدماً وليتّق الله الأطباء الذين يتولون ذلك وليعلموا أن الناقد بصير والمهيمن قدير والله يتولى هداية الجميع.

<<  <  ج: ص:  >  >>