للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أ- مسألة نقل الزكاة من مكان إلى آخر مع وجود من يستحقها من الفقراء والمساكين في مكان الزكاة (ونعيد إلى الذاكرة ما قلناه آنفاً من التطابق بين معاقل الفقر والمرض والجهل في العالم وبين مواطن الإسلام، مما يتعذر معه الجزم بأن الزكاة المنقولة إلى صندوق التضامن الإسلامي لصرفها في إحدى مصارف الزكاة لم يكن في بلد المزكي من كان في حاجة ملحة إليها) .

فهناك أدلة كثيرة تظهر أن الصحابة والتابعين والأئمة من بعدهم قد فهموا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم)) على أنه تفريق المال في مكانه أي حيث جمع، فكان السعاة في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين يرجعون من مهمتهم إلى المدينة لا يحملون غير أحلاسهم أو عصيهم. والحكمة في ذلك: أن المقصود من الزكاة إغناء الفقراء بها، كما وضح ذلك ابن قدامة في المغني، ومراعاة حرمة الجوار وقرب دار الفقير من دار الغني والاكتفاء الذاتي والابتعاد عن المركزية المفرطة، وذلك بعلاج المشاكل حيث وجدت، فإذا أبحنا نقلها إلى مكان آخر بصورة مخالفة أفضى ذلك إلى إبقاء فقراء ذلك البلد محتاجين وإلى زعزعة عرى الجوار.

وعلى هذا المعنى يقول فرقد السبخي: "حملت زكاة مالي لأقسمها بمكة فلقيت سعيد بن جبير فقال: ردها فاقسمها في بلدك". وقد رد عمر بن عبد العزيز زكاة الري إلى الري بعد أن كان أهلها أحضروها إلى الكوفة.

وإذا تتبعنا ما أثر عن السلف في هذا الباب فإننا لا نراهم يجوزون النقل من مكان إلى مكان آخر إلا عند استغناء أهل المكان الأول.

وأكبر دليل على ذلك تلك المراجعات المتكررة بين معاذ بن جبل وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما عندما أرسل إليه معاذ ثلث الزكاة فنصفها من اليمن فأنكره عمر عليه، لكن عندما علم أن ذلك جاء بعد تغطية الحاجة عند أهل اليمن أقره.

<<  <  ج: ص:  >  >>