أما عند وجود الحاجة فالخلاف بين من يقولون بعدم الإجزاء ومن يقولون بالإجزاء بإثم وعلى كراهية، ولم يستثن من ذلك إلا الحنفية الذين يقولون بجواز النقل بدون إثم ليس فقط لصلة الرحم أو لتلبيية حاجة أشد من بلد المزكي، بل أيضاً إذا كان نقلها إلى من هو أصلح وأنفع للمسلمين أو كانت الزكاة معجلة قبل تمام الحول.
وأما الأحاديث الكثيرة التي تروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستدعي الصدقات من الأعراب إلى المدينة ويصرفها في فقراء المدينة الأنصار، وما في معناها من حديث قبيصة بن المخارق حيث قدم من نجد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له صلى الله عليه وسلم:((أقم حتى تأتينا الصدقة)) إما أن نعينك عليها (أي على حاجتك) وإما أن نحطها عنك، فإننا نذهب إلى ما ذهب إليه أبو عبيد من إنه ليس لهذه الروايات محمل إلا أن يكون فضلاً عن حاجتهم وبعد استغنائهم عنها، وعلى كل حال فإن المنقول عند الحاجة الملحة لا يمكن أن يكون إلا جزءاًَ من الزكاة لا كلها، ونقل الكل لا يجوز إلا عند الاستغناء المطلق وهذا ما أثبتنا استحالته في المجتمعات الإسلامية في يومنا هذا، فحتى لو اعتمدنا على آراء من يجيزون نقل الزكاة من مكان إلى آخر مع وجود الحاجة في المكان الأول بإثم أو بدون إثم حسب اختلاف الحالات، فإن القضية النفسية المطروحة وهي قضية تثبيت نفس المسلم ستبقى بدون حل إلا إذا كان هناك إجماع أو شبه إجماع، وهذا ما يتعذر مع وجود أغلبية من المسلمين سلفاً وخلفاً يتحاشون نقل الزكاة مع وجود من يستحقها في بلد المزكي.