والحكمة في هذا الاتجاه أنه قد استقر في الوجدان الجماعي للأمة الإسلامية في كل عصر أن إقحام المصالح العامة الكثيرة على ميدان الزكاة سيقود حتماً إلى إهدار حقوق عامة الفقراء والمساكين والغارمين وغيرهم من الذين لا يملكون أمام هيئات المصالح العامة المنظمة والمجهزة بالوسائل الفنية لفرض أنفسها على الرأي العام ... لا يملكون أي وسيلة للإشعار بوجودهم وبحاجتهم، وبما أن الإسلام دين يعطي لكل من الفرد والجماعة حقهما كاملاً ولا يسمح لأحدهما أن يطغى على الآخر كما هو الشأن في المذاهب المادية الشيوعية منها والرأسمالية، فإن الوجدان الجماعي في العالم الإسلامي خصص الزكاة في المقام الأول للأفراد الثمانية المنصوص عليهم في آية مصارف الزكاة، علماً بأن في المال حقاً آخر غير الزكاة، وهذا الحق الآخر كان على مر الأزمان مجالاً للعمل الإسلامي الخيري في مجال المصالح والمرافق العامة.
وأن التمسك بهذا النهج المتوارث بين المسلمين سلفهم وخلفهم لضمان أكيد لسد ذريعة إخضاع الفرد لهيمنة المجتمع عندما يفتح باب الزكاة للمصالح العامة.
ج- ومن تلك المسائل الفقهية التي يجب البت فيها: مسألة فورية تفريق الزكاة أو تأخيرها. فصندوق التضامن الإسلامي يعتمد على الاجتماعات الدورية كما جاء في المادة (٣) من النظام الأساسي لتوزيع ما يجمع لديه من إيرادات في أهدافه المختلفة إلا في حالات الكوارث والمحن حيث تجتمع لجنة الطوارئ كلما دعت الحاجة إلى ذلك، أي الأزمات والكوارث الطبيعية في إحدى الدول الإسلامية لتقرير ما يمكن أن يقوم به الصندوق.
فدورية التوزيع قد لا تتفق تماماً مع مبدأ الفورية الذي سار عليه جمهور العلماء في تعجيل الزكاة، فكما هي الحال عند مالك والشافعي وأحمد وبعض الأحناف كالكرخي وابن همام. إذ إنه في مؤسسات الزكاة الشرعية أو أقسام بيت المال المكلفة بالزكاة يوجد تواكب وتنسيق مستمران بين جباية الزكاة وبين توزيعها بدون انتظار مفرط.